العيش معًا

انقل وظيفتك إلى الخارج – الأعمال التجاريَّة للإرساليَّات

مقالة
11.28.2022

هل فكَّرت يومًا في القيام بأعمال تجاريَّة لأجل الإرساليَّات؟ عليك أن تقوم بذلك. اسمحوا لي أن أقدِّم لكم بعض التوضيح عن كيف يبدو ذلك.

كنت جالسًا مؤخَّرًا في مطعم آسيويٍّ في لندن أتحدَّث مع عضو سابق في الكنيسة التي أساعد قسِّيسها في واشنطن العاصمة. كان قد انتقل هو وعائلته الشابَّة قبل عام إلى لندن، تحديدًا للمساعدة في كنيسة قريبة كانت متعثِّرة. كان سيفعل ذلك بصفته عضوًا أمينًا في الكنيسة مع وظيفة عاديَّة. في الآونة الأخيرة، أصبح شيخًا في الكنيسة، ولقد أعلن القسُّ (الذي كان أيضًا صديقًا لي) لاحقًا أنَّ وجود هذه العائلة المؤمنة ساعده في الاستمرار في العمل في تلك التربة الصخريَّة الموجودة في لندن ما بعد المسيحيَّة.

هذا مثال واحد. وها هو مثال آخر. قبل شهر واحد فقط، جلست في مطعم كباب أقلِّ أناقة في ركن مضطرب في آسيا الوسطى. كنت أزور عائلة شابَّة أخرى من كنيستنا في العاصمة. هم أيضًا انتقلوا مؤخَّرًا بوظائفهم إلى مدينة على بعد أميال فقط من الخطوط الأماميَّة لداعش. كانوا ينضمُّون إلى زوجين مرسلين متفرِّغين أُرسلوا قبل عام. لم يروا أنفسهم كمرسلين متفرِّغين في الكنيسة يزرعون الكنائس. لقد أحبُّوا ببساطة إدارة عملهم التعليميِّ غير الربحيِّ مع اللاجئين. لكن سرعان ما أصبحوا مفيدين لكنيستهم الدوليَّة الصغيرة. بكلِّ تأكيد، كانت هناك صراعات روحيَّة في كلِّ مكان حولهم، لكنَّ هذه العائلة بدت متحمِّسة بشأن مستقبلها.

لقد كان من دواعي سروري مشاهدة هذا النوع من السيناريوهات يتكرَّر مرارًا وتكرارًا لمدَّة عقدين من الزمن. إذ يكتشف الناس العاديُّون كيفيَّة استخدام مهاراتهم ودعواتهم لدعم عمل الإنجيل في الأماكن الصعبة، ليس كزارعي كنائس أو “كمرسلين”، لكن كمؤمنين أمناء عاديِّين.

يسمِّي الناس هذا النوع من النشاط بعديدٍ من الأسماء المختلفة: الأعمال التجاريَّة كإرساليَّات أو صانعي الخيام أو محترفي السوق المتنقِّلين (MPPs). بعض المصطلحات أفضل من غيرها. إذ يحمل بعضها القليل من الثقل اللاهوتيِّ غير المفيد. لكنَّ كلَّهم تنويعات عن نفس الفكرة: المؤمنون الذين يدخلون إلى ثقافة معيَّنة من خلال سوق العمل قد يتمتَّعون بوجود مدخل بالإضافة إلى المزايا الماليَّة والعلاقات التي لا يتمتَّع بها الأشخاص في الخدمة المهنيَّة. بالإضافة إلى ذلك، سيكونون قادرين على مساعدة أولئك الذين يعملون في الخدمة بدوام كامل (المتفرِّغين للخدمة) في الأماكن الصعبة.

إن لم تفكِّر مطلقًا في نقل وظيفتك أو عملك إلى الخارج من أجل الإنجيل، فعليك أن تفكِّر في الأمر. إليك بعض الأشياء التي لاحظتها على مدار العشرين عامًا الماضية لتشجيع هذا النوع من الأشياء.

1- إدراك حاجتك إلى المجتمع.

عندما يبدأ الناس في التفكير لأوَّل مرَّة في الانتقال إلى الخارج بوظائفهم لأجل الإنجيل، يتخيَّل البعض عملاً رائدًا في أماكن لم يتمَّ الوصول إليها. لكن بدلاً من ذلك يجب أن يفكِّر معظمهم في الانضمام إلى الكنائس القائمة بالفعل في الخارج، وليس إقامة تجربة جديدة بين الذين لم يتمَّ الوصول إليهم. يحتاج الجميع إلى وجود مجتمع ومحاسبة ومساعدة في الخدمة. إنَّ هياكل دعم المجتمع التي تبعد عنه مسافة 10000 ميل ليست مثاليَّة تمامًا. بدلاً من ذلك، يجب أن تذهب إلى مكان توجد فيه كنيسة محلِّيَّة جيِّدة بلغة تفهمها، أو على الأقلِّ فريق مرسل محلِّيٌّ قويٌّ للغاية يمكنه سدُّ الفجوة. إنَّه شخص نادر ذاك الذي يستطيع أن يعمل لمدَّة تزيد عن 40 ساعة في الأسبوع في ثقافة جديدة، ويعيل نفسه وعائلته من دون كنيسة.

2- إدراك أنَّ الكنيسة المحلِّيَّة هي منصَّة للخدمة في كلِّ مكان.

لا يجب أن تفكِّر فقط في الانتقال إلى مكان به كنيسة محلِّيَّة صحِّيَّة بلغة تفهمها، بل الأفضل أنَّه يجب أن تدعم تلك الكنيسة باعتبارها المحور الرئيسيَّ لخدمتك. ولقد لاحظت أنَّ المؤمنين الأكثر إنتاجيَّة في سوق العمل هم الذين يفعلون هذا بالضبط.

غالبًا ما يكون من الصعب رؤية مقدار الخدمة المثمرة التي تأتي من خلال الشركة والتعاون وشهادة الجماعة المحلِّيَّة من المؤمنين. لكن مثل هذه الثمار يمكن أن تصبح واضحة في ثقافة جديدة. إنَّ التعليم والشبكات الإذاعيَّة والشهادة العامَّة الجماعيَّة للكنيسة المحلِّيَّة هي صورة إنجيليَّة أقوى من سلوكنا الخاصِّ في العمل. صحيح أنَّه قد توجد أماكن لا توجد فيها كنيسة حتَّى الآن لنرتبط بها، وقد تكون هناك أماكن يحتاج فيها مؤمنو سوق العمل إلى التجمُّع مع عدد قليل من العائلات التبشيريَّة. لكن يزدهر معظم الناس روحيًّا عندما يكون لديهم كنيسة محلِّيَّة تعمل كمركز لحياتهم وخدمتهم. وهناك كنائس صغيرة مثل هذه في جميع أنحاء العالم.

3- امتلاك توقُّعات متفائلة وواقعيَّة.

لا يرغب معظم المؤمنين في أن يكونوا خدَّامًا بدوام كامل في كنيسة محلِّيَّة، ولا يشعرون بأنَّهم مستعدُّون لذلك. ومعظمهم سعداء جدًّا بأسلوب الحياة والعلاقات التي منحهم الله إيَّاها. أنا شخصيًّا أمضيت ما يقرب من 20 عامًا من حياتي كصاحب عمل أو موظَّف ووجدت فرحًا كبيرًا كمؤمن في ذلك الوقت. ومع ذلك، سيكون لدى هؤلاء الأشخاص عمومًا وقت متاح أقلُّ بكثير للخدمة ممَّن يعملون في الكنيسة بدوام كامل.

وينطبق الشيء نفسه على الأشخاص الذين ينتقلون للعمل في الخارج لكي يساعدوا في عمل الإنجيل. لن يكون لديهم نفس القدر من الوقت لدراسة اللغة أو لدعم عديد من جوانب الخدمة، مثلما يفعل المرسل المتفرِّغ. لكنَّ الخبر السارَّ هو أنَّ ما يفعلونه قد يكون أكثر تأثيرًا إن كانوا في مكان يوجد به عدد قليل ومتباعد من المؤمنين الكتابيِّين.

4- فهم لماذا لا يتشابه هذا مع إرسال المرسلين.

في رسالة يوحنَّا الثالثة يصف الرسول يوحنَّا نوع الشخص الذي أشار إليه المسيحيُّون تاريخيًّا بالمرسل. إنَّه شخص أرسلته الكنيسة من أجل التعريف باسم المسيح، وهو يعتمد على الكنيسة (وليس الوثنيِّين) لدعمه. ويأمر يوحنَّا المؤمنين (مستخدمًا الكلمة الملزمة “يجب”) لدعم هؤلاء الأشخاص والمشاركة معهم في حقِّ الإنجيل.

بعبارة أخرى، إنَّ نقل وظيفتك إلى الخارج من أجل الانضمام إلى كنيسة أو فريق تبشيريٍّ ليس هو نفس الشيء ككونك مرسلاً، ولكنَّه ذو قيمة عالية. أنا أدرك أنَّ بعض الناس سوف يستاؤون من هذا التمييز. لكن أعتقد أنَّ معظمنا يفهم ذلك. ليس الكلُّ معلِّمين أو شيوخًا في الكنيسة، ولكن لا يزال لكلٍّ منهم دور قيِّم يؤدِّيه (1 كورنثوس 12: 12-31). “وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ وَضَعَ اللهُ الأَعْضَاءَ، كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي الْجَسَدِ، كَمَا أَرَادَ”. أنت لا تحتاج إلى لقب أو منصب محدَّد لتكون بركة لعمل المسيح.

5- فهم سبب كون الأعمال التجاريَّة أمرًا جيِّدًا للإرساليَّات.

يجب على معظمنا إعالة أنفسنا من خلال وظيفة. لن يتمتَّع معظمنا أبدًا بفوائد (وأعباء) العمل بدوام كامل في عمل الإنجيل. يرسم شعب كنيسة تسالونيكي في الرسالة الأولى والثانية صورة واضحة جدًّا عن طبيعة وجودة الحياة المسيحيَّة العاديَّة التي تدعم نفسها بنفسها. لكن يمكن لكثيرين منَّا اختيار المكان الذي يعيشون فيه. وهنا، تمنحنا الحرِّيَّة المسيحيَّة مجموعة واسعة من الخيارات. قد يختار البعض ترك الكنيسة التي يحبُّونها للمساعدة في زرع كنيسة على الجانب الآخر من مدينتهم. بينما يتعمَّق البعض في أعماق الكنيسة ويبقون في نفس الكنيسة، حتَّى على حساب الوظائف أو الفرص الجديدة المثيرة. وقد يختار البعض اقتلاع حياتهم والانتقال إلى بلد آخر لتشجيع عمل الإنجيل حيث يكون الفعلة قليلين. كلُّها خيارات رائعة. كلُّها أجزاء من الطرق العاديَّة التي يريد الله أن تنمو كنائسه بها في مرحلة النضج وأن تُنشر بها الإنجيل. لذا فكِّر فيما يمكن أن يكون ممكنًا بالنسبة لك، وأين يمكنك أن تقضي حياتك بشكل مثمر.

6- الحصول على مساعدة في تقييم نفسك والتحقُّق من الخيارات.

يجب على المؤمنين التفكير مليًّا قبل نقل الوظيفة والابتعاد عن الكنيسة التي ينمون فيها حاليًّا. الصحَّة الروحيَّة ليست شيئًا يجب معالجته بطريقة سطحيَّة. لكنَّ هذا ينطبق بشكل خاصٍّ على المؤمنين الذين يفكِّرون في التحرُّك بشكل خاصٍّ للانضمام إلى مرسل محلِّيٍّ في ثقافة أخرى. لا يجب على الجميع القيام بذلك. نحن بحاجة إلى أن نكون منفتحين لسماع الأصدقاء الموثوق بهم وهم يخبروننا بالبقاء. المرشَّحون الجيِّدون للانتقال إلى الخارج هم المؤمنون الذين سيكونون محرِّكات للخدمة، وليس المؤمنين الذين تتطلَّب احتياجاتهم أو تحدِّياتهم كثيرًا من الرعاية الراعويَّة. توجد حاجة إلى قدر كبير من التواضع لسماع هذا النوع من التعليقات. يمكن لبعضنا أن يكون أكثر فائدة من خلال البقاء في مكانه والاستمرار في النموِّ للوقت الحاليِّ.

بالنسبة لأولئك الذين يفكِّرون في تغيير مكان معيشتهم من أجل التركيز على الإنجيل، فإنَّ التواضع يعني أن تحصل على مساعدة في التفكير في أماكن قليلة بدلاً من النظر إلى العالم بأسره على أنَّه محارتك. ابدأ بالتفكير في المواقع الخارجيَّة حيث استثمرت كنيستك بالفعل. هل توجد كنيسة دوليَّة أو فريق مرسل قويٌّ في مدينة قد تفكِّر في الانتقال إليه؟ كيف يمكنك أن تأتي إلى جانبهم وتشجِّع القادة بكونك عضوًا في هذه المجموعة؟ قد لا يكون هذا هو خيارك الأوَّل، ولكن في النهاية ستدرك أنَّ العمل مع الأشخاص المناسبين دائمًا ما يكون أكثر أهمِّيَّة من العثور على المكان المثاليِّ.

ضع في اعتبارك أيضًا أيَّ منظَّمات إرساليَّة تتعاون معها كنيستك وما إذا كان لديها أيُّ موارد. تعمل كنيستي الخاصَّة مع مجلس الإرساليَّة الدوليِّ للكنيسة المعمدانيَّة الجنوبيَّة. هذه المنظَّمة الإرساليَّة لديها مبادرة مدن عالميَّة تهدف إلى مساعدة الكنائس عن طريق التفكير في كيفيَّة مساعدة الأعضاء على استخدام وظائفهم للالتحاق بمرسلين متفرِّغين في عدد قليل من المدن المختارة. قد يكون المرسلون أو المنظَّمات الخاصَّة بك قادرة على تقديم دعم مماثل.

7- إنَّ الأعمال التجاريَّة ليست “مفتاحًا ذهبيًّا” للإرساليَّات؛ ولكن ما هي؟

سريعًا ما يكتشف كثيرٌ ممَّن بدأوا عمليَّة الانتقال أنَّ العثور على وظيفة والانتقال عبر العالم يتطلَّب كثيرًا من العمل! وبمجرَّد الوصول إلى هناك، يشعر الناس أحيانًا بخيبة أمل لاكتشاف مدى تشابه حياتهم الجديدة مع حياتهم السابقة في وطنهم. فأنت تعتني بالأطفال، وتذهب إلى العمل، وتتعرَّف على الجيران، وتتحدَّث عن الإنجيل عندما تستطيع، وتحافظ على خدمة الكنيسة المحلِّيَّة، وتستمرُّ في زرع البذور، وتنتظر على رجاء. ولكن الآن، فإنَّ حواجز اللغة والثقافة قد تجعل كلَّ شيء أبطأ ممَّا هو عليه في الوطن.

إنَّ الأعمال التجاريَّة ليست “مفتاحًا ذهبيًّا” للإرساليَّات؛ كما لو أنَّ هذه الاستراتيجيَّة ستحدث ثورة في الإرساليَّات وتجعل كلَّ شيء سهلاً.

ولكن لمجرَّد أنَّ شيئًا ما لا يضمن طريقًا سريعًا وسهلاً للحصول على ثمار الإنجيل، فهذا لا يجعله شيئًا سيِّئًا. بل إنَّه يجعله شيئًا حقيقيًّا وطبيعيًّا وهذا ما يخبرنا الكتاب المقدَّس أن نتوقَّعه.

بينما نتمسَّك بكلمة الله ونعتزُّ بالإنجيل، وبينما نعيش حياة القداسة والمحبَّة، ونعلن الإنجيل للعالم ونتلمذ من في الكنيسة، وبينما ندرِّب الرعاة ونرسل المبشِّرين ونزرع كنائس جديدة ونشجِّع الجميع على حياة الأمانة، فإنَّ الله يعدنا بأنَّ جهودنا العاديَّة ستؤدِّي إلى نهاية غير عاديَّة. إذ إنَّ الأمانة الصغيرة والعاديَّة تؤثِّر على الأبديَّة عندما توضع في يد الله.

لذلك ربَّما تكون قادرًا أنت أو أيُّ شخص في كنيستك على عيش الحياة العاديَّة بين رفقائك المؤمنين في مكان يكون فيه المؤمنون المخلصون واحدًا في المليون وليس واحدًا من كلِّ عشرة. ماذا تعتقد؟

قد تكون العطايا العاديَّة التي لديك ومواهبك العاديَّة كنزًا لجماعة في ماليزيا أو لندن أو اسطنبول أو دبي. نعم، ستظلُّ هناك حاجة ماسَّة إلى مرسلين روَّاد متفرِّغين مبعوثين من الكنيسة. نعم، لن تكون هذه الأداة الوحيدة لفتح العالم للمسيح. بالتأكيد هذه ليست استراتيجيَّة نافعة في الأماكن التي لم يتمَّ الوصول إليها بالكامل أو للمبشِّرين المنفردين. لكنَّها قد تكون مجرَّد طريقة رائعة لعديد من المؤمنين للاستفادة من حياتهم كجزء صغير ومجيد من خطَّة المسيح الحكيمة لاستخدام الأمانة البسيطة والعاديَّة وحتَّى الأمانة الأرضيَّة لشعب الربِّ لإظهار مجده للعالم (أفسس 3: 10). وهذه ليست طريقة سيِّئة للقيام بعملك وقضاء حياتك.

المزيد المتعلق بـ : مقالات