العضويَّة والتأديب الكنسي

دليل التأديب الكنسي

مقالة
11.28.2022

كيف ستُفَكِّر في مُدَرِّبٍ يُوَجِّه لاعبيه ولكنَّه لا يُمَرِّنهم أبدًا؟ أو مُعَلِّمة رياضيات تشرح الدرس ولكنَّها لا تُقَوِّم أبدًا أخطاء طُلَّابها؟ أو طبيب يتكلم عن الصحة ويتجاهل السرطان؟

على الأرجح ستقول إنَّ جميعهم يقومون فقط بنصف عملهم؛ فالتدريب الرياضي يتطلب التوجيه وكذلك التمرين، والتعليم يتطلب الشرح وكذلك التقويم، والمعالجة تتطلب التشجيع على الصحة وكذلك محاربة المرض، أليس كذلك؟

حسنًا، كيف ستُفَكِّر في كنيسةٍ تُعَلِّم وتُتَلمِذ ولكنَّها لا تمارس التأديب الكنسي؟ هل يبدو هذا منطقيًّا بالنسبة لك؟ أَفْتَرِضُ أنَّه يبدو منطقيًّا للعديد من الكنائس؛ لأنَّ كُلَّ كنيسةٍ تُعَلِّم وتُتَلمِذ، لكن القليل جدًّا منهم يمارس التأديب الكنسي. إنَّ المشكلة هي أنَّ تلمذة بدون تأديب تبدو منطقيَّةً بنفس قدر منطقيَّة طبيبٍ يتجاهل الأورام.

أستطيع أن أفهم النفور وعدم الرغبة في ممارسة التأديب الكنسي، فهي مسألةٌ صعبة للعديد من الأسباب، ومع ذلك فإنَّ هذا النفور وعدم الرغبة في ممارسة التأديب الكنسي، ذلك النفور الذي يشعر به في أغلب الظن الكثيرون مِنَّا، قد يوحي بأننا نرى أنفسنا أكثر حكمةً ومحبةً من الله؛ فالله في نهاية المطاف “يُؤَدِّبُ الَّذِينَ يُحِبُّهُمْ”، و”هُوَ يَجْلِدُ كُلَّ مَنْ يَقْبَلُهُ ابْنًا لَهُ” [التَّرْجَمَةُ العَرَبِيَّةُ المُبَسَّطَةُ] (عبرانيِّين ١٢: ٦)، فهل نعرف أفضل من الله؟

يؤدِّب الله أولاده لأجل حياتهم ونموهم وصحتهم: “أمَّا اللهُ فَيُؤَدِّبُنَا لِخَيرِنَا، لِكَي نَشتَرِكَ فِي قَدَاسَتِهِ” [التَّرْجَمَةُ العَرَبِيَّةُ المُبَسَّطَةُ] (عبرانيِّين ١٢: ١٠). نعم، الأمر مؤلم، لكنَّه يُؤتي ثماره: “ولكِنْ كُلّ تَأْديبٍ يَبدو في ساعَتهِ باعِثًا على الحُزنِ، لا على الفَرَحِ. إلاّ أنّهُ يَعودُ فيما بَعدُ على الذينَ عانوهُ [تَدَرَّبوا به] بِثَمَرِ البِرّ والسّلامِ” [الترجمة العربيَّة المشتركة] (عبرانيِّين ١٢: ١١). ثَمَر البِرّ والسّلامِ! هذه صورةٌ جميلةٌ في الواقع.

يؤدي التأديب الكنسي في النهاية إلى نمو الكنيسة تمامًا مثلما يؤدي تقليم شُجَيرة ورود إلى المزيد من الورود، وبتعبيرٍ آخر، إنَّ التأديب الكنسي هو أحد جوانب التلمذة المسيحيَّة. لاحِظْ أنَّ الكلمتَيْنِ “disciple” أو “تلميذ” و”discipline” أو “تأديب” مُشْتَقَّتان من نفس الأصل في اللغة الإنجليزيَّة، وكلتا الكلمتَيْنِ مأخوذة من الحقل التعليمي[1] الذي يتضمن التعليم وكذلك التقويم؛ لذا ليس من المُستَغرَب وجود ممارسةٍ من الإشارة إلى “التأديب التشكيلي”[2] و”التأديب التقويمي” عُمرها قرون.

ما أهدف إليه في هذا الدليل هو تعريف القارئ بأساسيات التأديب الكنسي التقويمي، “ماهيَّته” و”توقيته” و”طريقته” وبِضْع كلماتٍ أخرى عن “سببه”.

ما هو التأديب الكنسي؟

ما هو التأديب الكنسي التقويمي؟ التأديب الكنسي هو عمليَّة تقويم الخطيَّة في حياة الجماعة وأعضائها، وقد يعني هذا تقويم الخطيَّة من خلال كلمة إنذار شخصيَّة، وقد يعني تقويم الخطيَّة بإسقاط العضويَّة رسميًّا عن شخصٍ ما. يمكن القيام بالتأديب الكنسي بعدة طرق، ولكن يظل الهدف دائمًا هو تقويم التعديات على ناموس الله وسط شعب الله.

ليس عقابيًّا، بل علاجيًّا نبويًّا استباقيًّا

ليس هذا التقويم للخطيَّة إجراءً عقابيًّا؛ ليس هو في ذاته تنفيذًا لعدل الله، وإنَّما هو علاجيّ ونبويّ واستباقيّ. أقصد بـعلاجيّ أنَّ الغرض منه هو مساعدة الفرد المسيحي والجماعة كلها على النمو في التقوى (godliness)، أي في التَشَبُّه بالله (God-like-ness). إذا كان أحد أعضاء الكنيسة كثير النميمة أو كثير الافتراء والتشويه، فينبغي على عضوٍ آخر أن يُقَوِّم الخطيَّة حتى يتوقف النَّمَّام عن النَّمّ ويتكلم بكلمات المحبة عِوَضًا عن ذلك؛ فالله لا يستخدم كلماته في إلحاق الأذى بالآخرين بغير حق، وكذلك لا ينبغي أن يفعل شعبه.

وأقصد بِقَوْل إنَّ التأديب الكنسي نبويٌّ أنَّه يُسَلِّط ضوء حق الله على السهوات والخطايا. إنَّه يكشف عن السرطان الموجود في حياة الفرد أو في حياة الجسد بحيث يمكن استئصال هذا السرطان؛ فالخطيَّة أستاذةٌ في التَّنَكُّر، فالنميمة على سبيل المثال تُحِبُّ ارتداء قناع “الحرص التقيّ”، فقد يعتقد النَّمَّام أنَّ كلماته يصاحبها العقل والمنطق، بل ويقودها الحرص والاهتمام. إلَّا أنَّ التأديب الكنسي يكشف الخطيَّة على حقيقتها، وهو يكشف الخطيَّة لكُلٍّ مِن الخاطئ وكُلِّ مَنْ له علاقة بالأمر حتي يتعلَّم الجميع ويستفيد.

وأقصد بِقَوْل إنَّ التأديب الكنسي استباقيٌّ أنَّه يُمَثِّل صورةً صغيرةً للدينونة في الوقت الحاضر تُحَذِّر من دينونةٍ أعظم قادمة (على سبيل المثال، ١ كورنثوس ٥: ٥)، ولا يمكن اعتبار هذا التحذير أي شيءٍ آخر سوى أنَّه تَصَرُّفٌ مُنعِمٌ. لِتَفْتَرِضْ أنَّ مُعَلِّمًا في الفصل، خوفًا من تثبيط عزيمة طالبةٍ عنده، استمر طوال الفصل الدراسي في منحها درجات النجاح في كل الاختبارات التي رَسَبَتْ فيها؛ فقط ليُرسِبها في نهاية الفصل الدراسي. لن يكون هذا تَصَرُّفًا مُنعِمًا! وبنفس الشكل، فإنَّ التأديب الكنسي هو طريقةٌ تَتَّسِم بالمحبة لكي نقول لشخصٍ مُتَوَرِّط في خطيَّةٍ: “اِحْذَرْ، فإنَّ عقوبةً أعظم بانتظارك إذا واصلت السير في هذا الطريق. أرجوك، تَرَاجَعِ الآن”.

ليس من المُستَغرَب أنَّ الناس لا يُحِبُّون التأديب؛ فهو أمرٌ صعبٌ، لكن يا لَعِظَم رحمة الله أن يُحَذِّر شعبه من الدينونة العظيمة القادمة، وذلك على نطاقٍ صغيرٍ الآن بالمقارنة مع تلك الدينونة!

الأُسُس اللاهوتيَّة الكتابيَّة

يكمن وراء مبدأ التأديب الكنسي أحد مشروعات تاريخ الفداء الجليلة، ألا وهو مشروع استرداد شعب الله الساقط إلى المكان الذي يعكسون فيه مرةً أخرى صورة الله بينما يَمُدّون حُكْمَه المُحسِن والمُحيي إلى كافة أجزاء الخليقة (تكوين ١: ٢٦–٢٨؛ ٣: ١–٦).

كان على آدم وحواء أن يعكسا صورة الله وهكذا أيضًا مملكة إسرائيل إلَّا أنَّ فشل آدم وحواء في تمثيل حُكْم الله بدافع رغبتهم في أن يحكموا وفقا لشروطهما الخاصة أدَّى إلى سبيهما من مكان الله، الجنة؛ وفَشَلُ إسرائيل نفس الفشل في حفظ ناموس الله وعكس شخصيَّة الله للأمم أدَّى هو الآخر إلى سَبْيٍ.

ككائناتٍ مخلوقةٍ على صورة الله، فإنَّ أفعالنا بطبيعتها تتحدث عن الله كمَرَايا تُصوِّر الشيء الذي تواجهه. تَتَمَثَّل المشكلة في أنَّ البشريَّة الساقطة تُشَوِّه صورة الله مثل المَرَايا المُمَوَّجة الموجودة في الكرنڤالات (وهي مَرَايا مُمَوَّجة غالبًا ما تستخدم أجزاءً مُحَدَّبَةً ومُقَعَّرَةً لتعطي صورةً مُشَوَّهةً -فُكاهيَّة- للواقف أمامها، وتكون موجودة في المهرجانات والكرنڤالات والمعارض – المترجم)؛ فحيث إنَّ البشريَّة الساقطة على سبيل المثال تتكلم بالكذب، استنتج العالم أنَّ كلمات الله نفسه لا يمكن الوثوق بها، فلابُدَّ أن يكون هو الآخر كاذبًا؛ فكما هو الحال مع المخلوق لابُدَّ أن يكون مع خالقه.

ولكن نشكر الله أنَّ ابنًا واحِدًا من نسل آدم، ابنًا واحِدًا من نسل إسرائيل حفظ بالفعل ناموس الله إلى التمام، وهو نفس الشخص الذي سيصفه بولس فيما بعد بأنَّه “صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ” (كولوسي ١: ١٥)، والآن أولئك المتحدون بهذا الابن الواحد مدعوّون لحمل تلك “الصورة” ذاتها، وهو ما نتعلَّم فِعْله من خلال حياة الكنيسة “مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ” (اُنْظُرْ ٢ كورنثوس ٣: ١٨؛ رومية ٨: ٢٩؛ ١ كورنثوس ١٥: ٤٩؛ كولوسي ٣: ٩–١٠).

ينبغي أن تكون الكنائس المحليَّة هي تلك الأماكن على الأرض حيث يمكن للأمم أن يذهبوا ليجدوا بشرًا يعكسون أكثر فأكثر صورة الله بحق وأمانة، وبينما ينظر العالم قداسة الكنائس المحليَّة ومحبتها ووحدتها سيعرفون على نحوٍ أفضل كيف يبدو الله، وسيُسَبِّحونه (على سبيل المثال: متى ٥: ١٤–١٦؛ يوحنا ١٣: ٣٤–٣٥؛ ١ بطرس ٢: ١٢). إنَّ التأديب الكنسي إذًا هو رد فِعْل الكنيسة عندما يفشل واحِدٌ من خاصَّتها في تمثيل قداسة الله أو محبته أو وحدته من خلال عدم طاعته لله. إنَّه محاولةٌ لتصحيح الصور الخاطئة أثناء ظهورها داخل حياة جسد المسيح، تقريبًا مثل تلميع مرآة من لطخات الأوساخ الملتصقة بها.

نصوصٌ مُحَدَّدة

يمنح الرب يسوع الكنائس المحليَّة سُلطة تأديب شعوبها في متى ١٦: ١٦–١٩ وفي ١٨: ١٥–٢٠. إنَّ سُلطة مفاتيح الربط والحل على الأرض، المذكورة أولًا في متى ١٦: ١٩، تُسَلَّم إلى الكنيسة المحليَّة في متى ١٨: ١٥–٢٠، وهي المسألة التي سننظر فيها بعنايةٍ أكبر أدناه.

يصف الرسول بولس عمليات التأديب الكنسي في عددٍ من المواضع، والتي تشمل: 1 كورنثوس ٥، 2 كورنثوس ٢: ٦، غلاطية ٦: ١، أفسس ٥: ١١، 1 تسالونيكي ٥: ١٤، 2 تسالونيكي ٣: ٦–١٥، 1 تيموثاوس ٥: ١٩–٢٠، 2 تيموثاوس ٣: ٥، وتيطس ٣: ٩–١١.

يُشير الرسول يوحنا إلى نوعٍ من التأديب في 2 يوحنا ١٠، ويبدو أنَّ يهوذا يُفَكِّر في التأديب الكنسي في يهوذا ٢٢ و٢٣، ويمكن ذِكْر المزيد من الأمثلة. إنَّ التأديب الكنسي في الحقيقة هو ما يُفَكِّر فيه الرب يسوع وكُتَّاب الكتاب المقدُّس في كل مرةٍ يُخبِرون فيها مُستَمِعيهم أن يُقَوِّموا الخطيَّة في حياتهم معًا.

متى ينبغي على الكنيسة ممارسة التأديب؟

متى ينبغي على الكنيسة ممارسة التأديب؟ الإجابة المُخْتَصَرَة هي: عندما يُخطئ أحدٌ، ولكن قد تختلف الإجابة بناءً على ما إذا كنا نتكلم عن التأديب الكنسي غير الرسمي أم عن التأديب الكنسي الرسمي، وذلك حَسَب تمييز چاي آدامز بين المواجهات الشخصيَّة التي تحدث على انفراد والمواجهات العلنية التي تحدث على مستوى الكنيسة.

فأي خطيَّة، سواءٌ كانت خطيرة أو غير خطيرة، قد تستثير توبيخًا فرديًّا بين اثنين من الإخوة أو الأخوات في الإيمان، ولا يعني هذا أنَّنا ينبغي أن نُوَبِّخ كُلّ خطيَّة يرتكبها عضوٌ معنا في الكنيسة، بل يعني هذا ببساطة أنَّ كُلّ خطيَّة مهما كانت صغيرة تقع في دائرة ما يمكن أن يُثيره اثنان مؤمنان بمحبةٍ مع بعضهما البعض على انفراد في روحٍ من التَّعَقُّل.

عندما ننتقل إلى السؤال الخاص بالخطايا التي تتطلب تأديبًا تقويميًّا رسميًّا أو تأديبًا على مستوى الكنيسة نحتاج إلى أن نتعامل بحذرٍ أكبر بعض الشيء.

قوائم كتابيَّة

قَدَّمَتْ بعض الأنظمة اللاهوتيَّة الأقدم قوائم بِمَتَى يكون من المناسب إجراء تأديب رسمي، فعلى سبيل المثال، قال چون أنچيل چيمس، الخادم المنتمي للكنيسة المستقلة[3]، إنَّ خمسة أنواع من المخالفات تستحق التأديب: (أ) كل الرذائل الفاضحة واللاأخلاقيات المشينة (مثل ١ كورنثوس ٥: ١١–١٣)؛ (ب) إنكار العقيدة المسيحيَّة (مثل غلاطية ١: ٨؛ ٢ تيموثاوس ٢: ١٧–٢١؛ ١ تيموثاوس ٦: ٣–٥؛ ٢ يوحنا ١٠، ١١)؛ (ج) إثارة الانقسام (تيطس ٣: ١٠)؛ (د) عدم الاعتناء بالأقرباء الأقربين المحتاجين (مثل ١ تيموثاوس ٥: ٨)؛ (ه) عداوة لا تقبل المُصالحة (مثل متى ١٨: ١٧).[4]

يمكن أن تكون هذه الأنواع من القوائم الكتابيَّة مفيدةً إلى حدٍ ما. لاحِظ أنَّ كل واحدة من الخطايا الموصوفة هي خطيرة وفي نفس الوقت لها مظهر خارجي؛ فهي ليست مجرد خطايا داخليَّة في القلب، بل هي خطايا يمكن رؤيتها بالعين أو سماعها بالأذن؛ وبهذا المظهر الخارجي تُضَلِّل تلك الخطايا كُلًّا من العالم والخراف الأخرى بشأن المسيحيَّة.

غير أنَّ ما تفشل فيه هذه القوائم هو تقديم بيان عن الحشد الهائل من الخطايا التي لا يتناولها الكتاب المقدَّس أبدًا (ماذا عن الإجهاض مثلًا؟). هذا بالإضافة إلى أنَّ النصوص الكتابيَّة حول التأديب الكنسي قد تذكر فقط خطيَّةً واحدة محددة مثل 1 كورنثوس ٥ الذي يناقش خطيَّة الزنى مع امرأة الأب، ولكن لا يقصد بولس بالتأكيد أن تقوم الكنائس بتأديب تلك الخطيَّة فقط. كيف ينبغي على الكنائس إذًا أن تستنبط من مثل هذه الأمثلة ما تُطَبِّقه على الخطايا الأخرى.

ظاهرة، خطيرة، غير مَتوبٍ عنها

واحدة من الطرق لتلخيص ما يقوله الكتاب بشأن التأديب الكنسي هي القول إنَّ التأديب الكنسي الرسمي مطلوبٌ في حالات الخطيَّة الظاهرة والخطيرة وغير المَتوب عنها. يجب أن يكون للخطيَّة مظهر خارجي، يجب أن تكون شيئًا يمكن رؤيته بالعين أو سماعه بالأذن، فلا ينبغي على الكنائس في كل مرة تشتبه فيها في وجود طمع أو كبرياء في قلب شخصٍ ما أن تتسرَّع في التصدي لذلك مُستَبعِدةً هذا الشخص من الجماعة. لا يعني هذا أنَّ خطايا القلب ليست خطيرة، بل يعني أنَّ الربَّ يعلم أنَّنا لا نستطيع رؤية قلوب بعضنا البعض، ويعلم أنَّ مشاكل القلب الحقيقيَّة في كل الأحوال ستطفو على السطح في النهاية (١ صموئيل ١٦: ٧؛ متى ٧: ١٧، ١٨؛ مرقس ٧: ٢١).

أمَّا الأمر الثاني هو أنَّه يجب أن تكون الخطيَّة خطيرة. قد ألاحظ على سبيل المثال أخًا يُبالِغ في تفاصيل قصةٍ ما وهو يرويها، ثم بعدها أواجهه على انفراد بشأن هذا الأمر، ولكن حتى لو أنكر ذلك فلن أقوم على الأرجح بإحضاره أمام الكنيسة من أجل تلك الخطيَّة. ولكن لِمَ لا؟ أولًا- إنَّ شيئًا مثل خطيَّة جعل القصص أكثر إثارة وتشويق من خلال إضافة بعض التفاصيل غير الحقيقيَّة لها تضرب جذورها عميقًا في خطايا أكثر أهميَّة من تلك بكثير وأبعد جدًّا عن ما هو مرئي وظاهر، كخطايا الوثنيَّة والتبرير الذاتي، وتلك هي الخطايا التي أريد أن أقضي وقتًا شخصيًّا في مناقشتها معه؛ ثانيًا- في أغلب الظن سيكون من شأن ملاحقة كُل خطيَّةٍ دقيقةٍ في حياة الكنيسة التسبُّب في بارانويا (أو جنون الارتياب، وهو شعور الشخص بالاضطهاد والتهديد من الآخرين، والإحساس بأنهم لا يحبونه ويراقبونه ويحاولون إلحاق الأذى به على الرغم من عدم وجود دليل على ذلك – المترجم) والدفع بالجماعة نحو الناموسيَّة؛ ثالثًا- من الواضح أنَّه يجب أن يكون هناك مكانٌ للمحبة كي “تَسْتُر كَثْرَةً مِنَ الْخَطَايَا” في حياة الجماعة (١ بطرس ٤: ٨). لا ينبغي ملاحقة كُلّ خطيَّة حتى النهاية؛ فنشكر الله أنَّه لم يفعل هكذا معنا يومًا.

والأمر الأخير هو أنَّ التأديب الكنسي الرسمي هو التصرُّف المناسب عندما تكون الخطيَّة غير مَتوبٍ عنها، فالشخص المتورط في خطيَّةٍ خطيرة تمت مواجهته على انفراد بوصايا الله في الكتاب المقدَّس، لكنَّه (أو لكنَّها) يرفض التخلي عن هذه الخطيَّة؛ فهذه الخطيَّة كما يبدو أغلى عند هذا الشخص من يسوع. قد يكون هناك نوعٌ واحدٌ من الاستثناء من ذلك سننظر فيه أدناه.

لقد اجتمعت العوامل الثلاثة في تجربتي الأولى مع التأديب الكنسي التقويمي عندما تصادف أن يكون الشخص المَعني صديقًا حَسَنًا وشريكًا جيدًا في الجري، ومع ذلك كنتُ أنا والكنيسة غافِلَيْنِ عن حقيقة أنَّه كان منخرطًا في حياةٍ من الخطيَّة الجنسيَّة على الأقل حتى أخبرني هو بذلك ذات يوم ونحن نتناول الغداء معًا، وعلى الفور سألته عمَّا إذا كان يعلم ما يقوله الكتاب المقدَّس عن مثل هذه الممارسة، وهو ما عَلِمَه بالفعل، ومع ذلك قال إنَّه قد تصالح مع الله بشأن هذا الأمر. حَثَثْتُه على أن يتوب، وهذا ما فعله الآخرون أيضًا عندما عرفوا بالأمر في النهاية، ولكنَّه قال نفس الشيء لجميعنا: “ليس لدى الله مشكلة في ذلك”، وبعد عدة أشهر من هذه المحادثات حَرَمَتْه الكنيسة رسميًّا من شَرِكَتها. لقد كانت خطيته خطيرة وغير مُتوبٍ عنها وكان لها مظهر خارجي واضح، وكانت ستُضَلِّل الآخرين داخل الكنيسة وخارجها بشأن معنى أن تكون مسيحيًّا. لقد أمضت الكنيسة عدة أشهر في السعي وراء هذا الرَّجُل، لقد أحببناه وأردناه أن يبتعد عن خطيته وأن يعرف أن الرب يسوع أغلى من أي شيءٍ يُقَدِّمه هذا العالم إلَّا أنَّه كان من الواضح من الوهلة الأولى تقريبًا أنَّه لم يكن لديه أيَّة نيَّة في الابتعاد عن الخطيَّة، لقد كان مُصَمِّم العزم، وعندما خُيِّر بين خطيته وكلمة الله (الرب يسوع) اختار الخطيَّة؛ ومن ثَمَّ اتَّخذت الكنيسة إجراءً رسميًّا.

كيف ينبغي على الكنيسة ممارسة التأديب؟

كيف ينبغي على الكنيسة ممارسة التأديب الكنسي؟ يُقَدِّم الرب يسوع الخطوط العريضة الأساسيَّة في متى ١٨: ١٥–١٧، فيقول لتلاميذه:

وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَاذْهَبْ وَعَاتِبْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَحْدَكُمَا. إِنْ سَمِعَ مِنْكَ فَقَدْ رَبِحْتَ أَخَاكَ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ، فَخُذْ مَعَكَ أَيْضًا وَاحِدًا أَوِ اثْنَيْنِ، لِكَيْ تَقُومَ كُلُّ كَلِمَةٍ عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَقُلْ لِلْكَنِيسَةِ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْكَنِيسَةِ فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ كَالْوَثَنِيِّ وَالْعَشَّارِ.

لاحِظْ هنا أنَّ الإساءة تبدأ ما بين أَخَوَيْنِ، وأنَّ الرد لا ينبغي أن يذهب إلى أبعد من اللازم؛ وذلك من أجل تحقيق المُصالحة. يصف الرب يسوع هذه العمليَّة في أربع خطوات.

أربع خطوات أساسيَّة

١. إذا استطاع الشخصان أن يَحِلَّا فيما بينهما مشكلة خطيَّةٍ ما، تكون القضيَّة قد أُغلِقَت.

٢. أمَّا إذا لم يكن من الممكن حلها فينبغي على الأخ المُساء إليه أن يُحضِر اثنين أو ثلاثة آخرين “لِكَيْ تَقُومَ كُلُّ كَلِمَةٍ عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ” (متى ١٨: ١٦). يقتبس الرب يسوع هذه العبارة من تثنية ١٩، والتي يُقصَد بها في سياقها حماية الأشخاص من الاتهامات الزور. يدعو سفر التثنية في الواقع إلى إجراء “فَحْصٍ دَقِيقٍ” أو تحقيق شامل متى يكون هناك أي شك حول الجريمة (تثنية ١٩: ١٨) [ترجمة كتاب الحياة]، وأنا أعتبر أن الرب يسوع على نفس المنوال يقصد أن يكون المسيحيُّون مهتمين بالحق والعدل، وهو الأمر الذي قد يتطلب “الاحتياط الواجب”[5]. يحتاج الشاهدان أو الثلاثة إلى أن يكونوا قادرين على تأكيد أنَّه بالفعل هناك إساءة خطيرة وظاهرة، وبالفعل الشخص المُسيء غير تائب. نأمل أن يؤدي إشراك أشخاص آخرين إمَّا إلى إعادة الشخص المُسيء إلى رُشده أو إلى مساعدة الشخص المُسَاء إليه على أن يرى أنَّه لا ينبغي أن يشعر بالإساءة إلى هذا الحد. قد تحدث كُلٌّ من هذه الخطوة وسابقتها على مدار عدة لقاءات حَسَب ما تراه الأطراف المعنيَّة حكيمًا.

٣. إذا لم يسمح تدخُّل الاثنين أو الثلاثة الآخرين بالوصول إلى حل، يوجِّه الرب يسوع الطرف المُساء إليه إلى أن يقول للكنيسة (متى ١٨: ١٧أ). يحدث ذلك عادةً في كنيستي من خلال الشيوخ؛ حيث إنَّ الرب قد أعطى الكنيسة شيوخًا كي يكونوا نُظَّارًا يُشرِفون على جميع شؤون الكنيسة (١ تيموثاوس ٥: ١٧؛ عبرانيِّين ١٣: ١٧؛ ١ بطرس ٥: ٢). يُعلِن الشيوخ رسميًّا على مسامع الكنيسة اسم الطرف المتهم بخطيَّة ظاهرة وخطيرة وغير مَتوب عنها، ويُقَدِّمون وصفًا شديد الإيجاز لهذه الخطيَّة، وصفًا لا يتسبَّب في تَعَثُّر الآخرين أو يجلب حرجًا لا داعي له لأيٍّ من أفراد أسرة هذا الطرف، وعادةً ما يمنحون الجماعة بعد ذلك شهرين لافتقاد هذا الشخص الخاطئ ودعوته (أو دعوتها) إلى التوبة.

٤. تَتَمَثَّل الخطوة الأخيرة في عمليَّة التأديب الكنسي في الاستبعاد من شَرِكَة الكنيسة أو عضويتها، وهو ما يعني في جوهره الاستبعاد من مائدة الرب: “وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْكَنِيسَةِ فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ كَالْوَثَنِيِّ وَالْعَشَّارِ” (متى ١٨: ١٧ب). سوف تُعامِل الكنيسة هذا الشخص الخاطئ على أنَّه شخصٌ من خارج شعب العهد مع الله، شخصٌ لا يجب أن يتناول وجبة عهد المسيح (وذلك على الرغم من أنَّ الكنيسة على الأرجح سوف تُشجِّعه على الاستمرار في حضور اجتماعاتها؛ اُنظُرْ مناقشة هذا الأمر أدناه). سَتَتَّخِذ كنيستنا هذه الخطوة بمجرد انتهاء مدة الشهرين ورفض الشخص التخلي عن الخطيَّة، وبالطبع مدة الشهرين هي مدة اعتباطيَّة؛ فهي ببساطة تُقدِّم جدولًا زمنيًّا مبدئيًّا يتوافق مع اجتماعات الأعضاء في كنيستنا التي تنعقد بشكل دوري، وقد ترى الكنيسة في أي موقف معين أنَّه من الضروري تسريع هذا الجدول الزمني أو إبطاءه.

لماذا تُبطِئ عمليَّة التأديب الكنسي أو تُسَرِّعها؟

ينبغي أن تتحرك عمليات التأديب في بعض الأحيان ببطءٍ ملحوظ، وهذا هو الحال مثلًا عندما يُظهِر شخصٌ خاطئٌ على الأقل بعض الاهتمام بمحاربة خطيته. لا يجب أن نأخذ في الاعتبار فقط طبيعة الخطيَّة، بل يجب أن نأخذ في الاعتبار أيضًا طبيعة الخاطئ نفسه، ولأكون أكثر وضوحًا، يحتاج الخطاة المختلفون إلى استراتيجيات مختلفة مثلما يُعَلِّم الرسول بولس: “أَنْذِرُوا الَّذِينَ بِلاَ تَرْتِيبٍ. شَجِّعُوا صِغَارَ النُّفُوسِ. أَسْنِدُوا الضُّعَفَاءَ. تَأَنَّوْا عَلَى الْجَمِيعِ” (١ تسالونيكي ٥: ١٤). في بعض الأحيان لا يتضح على الفور ما إذا كان الأشخاص بلا ترتيب أو غير مبالين تجاه خطيتهم أم أنَّهم بحق ضعفاء.

أتذكر أني كنت أعمل مع أخٍ كان متورطًا في نوع معين من الإدمان، ولفترة من الوقت لم أكن متأكدًا ممَّا إذا كان هو فقط يُقَدِّم الأعذار لزَلَّاته الأخلاقيَّة أم أنَّ روحه كانت بحق ضعيفة ومُشَوَّهة بفعل سنواتٍ من ارتكاب الخطيَّة مِمَّا جعل التوقف عن الخطيَّة أمرًا أكثر صعوبةً جدًّا عليه بهذا الشكل. ينبغي أن تؤثِّر الإجابة عن هذه الأنواع من الأسئلة على مدى سرعة تحرك عمليات التأديب.

وفي بعض الأحيان الأخرى تحتاج عمليات التأديب إلى أن تتحرك بشكل أسرع؛ مِمَّا قد يعني تخطّي خطوة أو اثنتين من الخطوات التي وصفها الرب يسوع في متى ١٨. هناك مُبَرِّران كتابيَّان واضحان لتسريع عمليات التأديب، وهما: (أ) الانقسام في الكنيسة، و(ب) الفضيحة المجتمعيَّة (أي الخطيَّة التي ستُسيء تمثيل المسيح في المجتمع الذي هو خارج الكنيسة). يقول بولس عن الفئة الأولى: “ابتَعِدْ عَنِ الَّذِي يُسَبِّبُ الانقِسَامَ بَعْدَ أنْ تُنذِرَهُ مَرَّتَيْنِ عَلَى الأقَلِّ” (تيطس ٣: ١٠) [التَّرْجَمَةُ العَرَبِيَّةُ المُبَسَّطَةُ]، وليس من الواضح تمامًا نوع العمليَّة التي يُفكِّر فيها بولس هنا إلَّا أنَّ كلماته بالفعل تُشير إلى أن الكنيسة ينبغي أن تَرُدّ بسرعةٍ وحسمٍ على صانعي الانقسام، وذلك حِرصًا على مصلحة الجسد.

ونتعرض إلى عمليَّة تأديب تتحرك بسرعة أكبر حتى من المذكور أعلاه في 1 كورنثوس ٥ حيث يُطالب بولس كنيسة كورنثوس بأن تعزل على الفور فردًا معروفٌ أنَّه متورط في خطيَّةٍ فاضِحة مجتمعيًّا (الفئة الثانية)، أي خطيَّة يستنكرها حتى المجتمع غير المسيحي. في الواقع، لا يخبر بولس الكنيسة حتى أن تُحَذِّر هذا الرَّجُل بحيث يمكن اقتياده إلى التوبة، بل فقط يخبرهم أن “يُسَلَّمَ مِثْلُ هذَا لِلشَّيْطَانِ” (الآية ٥أ).

لماذا نتخطى مسألة التوبة ولا نعطي الرَّجُل فرصة ثانية؟ إنَّ الأمر ليس أنَّ بولس غير مهتم بالتوبة أو بالفرص الثانية، وإنَّما هو يخبر الكنيسة أن تعزل الرَّجُل لِكَي “تَخْلُصَ رُوحُهُ فِي يَوْمِ الرَّبِّ” [التَّرْجَمَةُ العَرَبِيَّةُ المُبَسَّطَةُ] (الآية ٥ب)، فبالتأكيد بولس منفتح على انضمام الرَّجُل للكنيسة مرةً أخرى بعد هذه الأحداث إذا ثبت بالفعل أنَّه تائب (اُنْظُرْ ٢ كورنثوس ٢: ٥–٨)، ولكن الموضوع هو أنَّ خطيَّة هذا الرَّجُل معروفة للجميع، وتُصدِر تلك الخطيَّة تصريحًا علنيًّا عن المسيح، ومن ثَمَّ ينبغي أن ترد الكنيسة بتصريحٍ علنيٍّ مماثل أمام العالم مُفادُه: “غير مقبول! لا يفعل المسيحيُّون ذلك!”.

ولكن بعد هذا الكلام من الجدير أن نلاحظ عدم وجود شك في 1 كورنثوس ٥ حول ما إذا كان الرَّجُل قد ارتكب الخطيَّة أم لا، فقد كان ذلك حقيقةً لا جدال فيها، أمَّا إذا كان هناك شك حول ما إذا كانت خطيَّةٌ ما قد حدثت أم لا، حتى لو كانت خطيَّة فاضحة، فينبغي على الكنيسة أن تُعَلِّق الأمور مدةً كافية لإجراء تحقيق شامل مثلما يُطالِب الرب يسوع في متى ١٨؛ فلا تريد كنيسةً، على سبيل المثال، تأديب شخصٍ ما بتهمة الاختلاس (خطيَّة فاضِحة مجتمعيًّا) بناءً على مجرد أقاويل لتجد المحاكم المدنيَّة بعد ثلاثة أشهر[6] ترفض الدعوى المُقَدَّمة ضد هذا الشخص لعدم كفاية الأدلة.

ما هما إذًا الاعتباران اللذان قد يدفعان كنيسةً إلى تسريع عمليات التأديب؟ قد ترى الكنيسة أنَّه من الحكمة التحرك بسرعة أكبر عندما: (أ) يوجد تهديد مباشر لوحدة جسد الكنيسة، أو (ب) توجد خطيَّة يمكن أن تُلحِق ضررًا جسيمًا باسم المسيح في المجتمع. لا توجد صيغة محددة لتقرير متى يتم تجاوُز أحد هذه الخطوط، لكن تفعل الكنيسة حسنًا بتعيينها مجموعة من الشيوخ الأتقياء نُظَّارًا يشرفون على مثل هذه المسائل الصعبة.

الحضور والاسترداد

غالبًا ما يتساءل أعضاء الكنيسة عمَّا إذا كان الشخص الذي تم استبعاده من عضويَّة الكنيسة ومن الاشتراك في مائدة الرب يمكنه الاستمرار في حضور اجتماعات الكنيسة الأسبوعيَّة، وأيضًا عن كيفيَّة تفاعلهم معه (أو معها) على مدار الأسبوع. يتناول العهد الجديد هذه المسألة في عدد من المواضع (١ كورنثوس ٥: ٩، ١١؛ ٢ تسالونيكي ٣: ٦، ١٤–١٥؛ ٢ تيموثاوس ٣: ٥؛ تيطس ٣: ١٠؛ ٢ يوحنا ١٠)، وبحقٍّ قد تتطلب ظروف مختلفة استجابات مختلفة، ولكن التوجيه الذي يُقَدِّمه الشيوخ في كنيستي يندرج عمومًا في نقطتين:

  • باستثناء المواقف التي يُمَثِّل فيها حضور الطرف غير التائب تهديدًا ماديًّا للجماعة، ينبغي أن تُرَحِّب الكنيسة بحضور الشخص الاجتماع الأسبوعي؛ فَمَا مِن مكانٍ أفضل بالنسبة لهذا الشخص كي يكون موجودًا فيه من الجلوس تحت وعظ كلمة الله (الرب يسوع المسيح).
  • على الرغم من أنَّه يقينًا ينبغي على أعضاء عائلة الفرد المُؤدَّب كنسيًّا الاستمرار في الوفاء بالالتزامات الكتابيَّة للحياة العائليَّة (مثل أفسس ٦: ١–٣؛ ١ تيموثاوس ٥: ٨؛ ١ بطرس ٣: ١–٢)، فإنَّ الشكل العام لعلاقات أعضاء الكنيسة مع هذا الفرد المُؤدَّب كنسيًّا ينبغي أن يتغير تغييرًا ملحوظًا؛ فلا ينبغي أن تتسم التفاعلات بعدم التكلُّف أو بالحميميَّة، بل بالمحادثات المُتَعَمَّدة حول التوبة.

يحدث الاسترداد لشَرِكَة الكنيسة عندما تكون هناك علامات تدل على توبة حقيقيَّة. يعتمد شكل التوبة الحقيقيَّة على طبيعة الخطيَّة، فأحيانًا تكون التوبة مسألة إمَّا أبيض أو أسود ولا تحتمل ألوانًا أخرى، كما هو الحال مع رَجُلٍ قد هجر زوجته، الذي بالنسبة له تعني التوبة بوضوح وبساطة الرجوع إلى زوجته مرة أخرى؛ غير أنَّ التوبة في أحيانٍ أخرى لا تعني القَهْر التام للخطيَّة بقدر ما تعني إظهار اجتهاد جديد في شن حرب على هذه الخطيَّة، كما هو الحال مع شخص عالق في دائرة معينة من الإدمان.

من الواضح أنَّ مسألة التوبة الحقيقيَّة مسألة صعبة تتطلب الكثير من الحكمة. يجب الموازنة بين الحذر والرأفة، فقد تحتاج التوبة إلى مرور بعض الوقت حتى تتبرهن من خلال ثمارها، ولكن ليس الكثير جدًّا من الوقت (اُنظُرْ ٢ كورنثوس ٢: ٥–٨)، وبمجرد أن تُقَرِّر كنيسةٌ استرداد فرد تائب إلى شَرِكَتها وإلى مائدة الرب، فلا ينبغي أن يكون هناك حديث عن فترة اختبار أو عن مواطنة من الدرجة الثانية، وإنَّما ينبغي على الكنيسة أن تُعلِن غفرانها جهارًا (يوحنا ٢٠: ٢٣)، وأن تُؤكِّد [تُمَكِّن] محبتها لهذا الفرد التائب (٢ كورنثوس ٢: ٨)، وأن تفرح وتحتفل (لوقا ١٥: ٢٤).

لماذا ينبغي على الكنيسة ممارسة التأديب؟

بينما تتجه الكنيسة نحو ممارسة التأديب الكنسي ستجد نفسها غالبًا في مواجهة مواقف معقدة من الحياة اليوميَّة ليس لها “دراسة حالة” دقيقة في الكتاب المقدَّس كي تساعد الكنيسة في غربلة شَتَّى طبقات الظروف، فلن يكون من الواضح دائمًا ما إذا كان التأديب الكنسي الرسمي مطلوبًا أو المدة التي ينبغي أن تستغرقها عمليات التأديب أو ما إذا كان الطرف المذنب تائبًا حقًّا، إلى آخره.

يجب أن تتذكر الجماعة وقادتها أثناء تعامُلهم مع هذه القضايا المعقدة أنَّ الكنيسة مدعوَّة قبل كل شيء لحراسة اسم المسيح ومجده. يتعلق التأديب الكنسي في الأساس بسُمعة المسيح وما إذا كان بإمكان الكنيسة الاستمرار في التصديق على الاعتراف الشفهي لشخصٍ ما تسيء حياته تمثيل شخص المسيح على نحوٍ فاضِح وشنيع أم لا. ستتباين الخطايا وظروفها على نحوٍ هائل، ولكن يحتاج دومًا هذا السؤال بالتحديد إلى أن يحتل موقع الصدارة في تفكير كنائسنا: “كيف ستعكس خطيَّة هذا الشخص الخاطئ وردُّنا عليها محبة المسيح المقدسة؟”.

إنَّ الاهتمام بسُمعة المسيح في النهاية يعني الاهتمام بخير غير المؤمنين. عندما تفشل الكنائس في ممارسة التأديب الكنسي فإنَّها تبدأ في مشابهة العالم، وتكون مثل ملح قد فقد ملوحته ولا يَصلُح إلَّا للدَّوْس (متى ٥: ١٣)، ولا تكون شاهدًا على الإطلاق لعالمٍ تائه في الظلام.

أيضًا الاهتمام بسُمعة المسيح يعني الاهتمام بأعضاء الكنيسة الآخرين. ينبغي أن تكون رغبة المؤمنين هي مُشابهة الرب يسوع، ويساعد التأديب الكنسي في الحفاظ على صورة الرب يسوع المقدَّسة واضحة خالية من الشوائب. هذا إلى جانب أنَّ كل مرة يحدث فيها عمل تأديبي رسمي تكون بمنزلة تذكير الأعضاء أن يحترزوا أكثر جدًّا في حياتهم. يُلَخِّص چون أنچيل چيمس، الخادم المنتمي للكنيسة المستقلة، ذلك جيدًا: “إنَّ فوائد التأديب جَلِيَّةٌ؛ فهو يَستَرِد المرتدين، ويكشف المرائين، ويُشيع خشيةً صحيَّة عبر الكنيسة، ويعطي حافِزًا إضافيًّا على السهر والصلاة، ويُثبِت بما لا يَدَع مجالًا للشك حقيقة ضعف الإنسان وعواقب هذا الضعف، وعلاوةً على ذلك يشهد علانيةً ضد الإثم”.[7]

وأخيرًا، فإنَّ الاهتمام بسُمعة المسيح يعني الاهتمام بالفرد المتورِّط في خطيَّة، ففي 1 كورنثوس ٥ عَلِمَ بولس أنَّ الإجراء الذي يحمل أكبر قدر من المحبة كان استبعاد رَجُلٍ من الجماعة “لِكَي تَخْلُصَ رُوحُهُ فِي يَوْمِ الرَّبِّ” [التَّرْجَمَةُ العَرَبِيَّةُ المُبَسَّطَةُ] (١ كورنثوس ٥: ٥).

لماذا ينبغي على الكنيسة ممارسة التأديب؟ ينبغي أن تمارس الكنيسة التأديب من أجل خير الفرد، ومن أجل خير غير المؤمنين، ومن أجل خير الكنيسة، ومن أجل مجد المسيح.[8] إنَّ وضع هذه الأهداف الأساسيَّة في الاعتبار سيساعد الكنائس والشيوخ على الانتقال من حالةٍ صعبة إلى أخرى عالمين أنَّ حكمة الله ومحبته ستسود حتى بينما تَقصُر حكمتنا ومحبتنا.


[1] حيث إنَّ كلمة ‹disciple› تعني تلميذًا يتبع شخصًا ما ويتبع تعاليمه، وكلمة ‹discipline› تعني في واحد من معانيها فرعًا معرفيًّا أو تَخَصُّصًا مُعَيَّنًا من تخصصات العلم؛ كذلك فإنّ الكلمتَيْنِ مُشْتَقَّتان من الكلمة اللاتينية ‹discipulus› بمعنى ‹مُتَعَلِّم› والمُشتَقَّة بدورها من ‹discere› بمعنى ‹يتعلَّم› – المترجم.

[2] التأديب التشكيلي هو الذي يُشير إلى كل ما تقوم به الكنيسة من أجل مساعدة شعبها أن يحيوا حياة القداسة وأن يجاهدوا ضد الخطية، كالوعظ، والتعليم، والصلاة، والعبادة الجماعية، والعلاقات التي تتسم بالمساءلة والمحاسبة، والإشراف الخاضع لمشيئة الله من قِبَل الرعاة والشيوخ (أي كل ما تقوم به الكنيسة من أجل تشكيل أعضائها وبنائهم) – المترجم.

[3] وهي كنائس بروتستانتية تتبع التقليد الكالڤيني، وتمارس الحُكْم الكنسي المستقل الذي فيه تُدير كل كنيسة شؤونها الخاصة بشكلٍ ذاتي ومستقل، بحيث يكون لأعضاء كل كنيسة محلية الحق في تقرير شكل العبادة في الكنيسة وإقرار الإيمان الخاص بها، واختيار قادتها، وإدارة شئونها الخاصة دون أي تدخل خارجي من مجمع أو سنودس أو طائفة أو غيره، فالسُّلطة النهائية هي في يد مجلس الكنيسة المحلية، والمسيح وحده هو رأس الكنيسة – المترجم.

[4] John Angell James, Church Fellowship or The Church Member’s Guide, excerpted from volume XI of the 10th edition of the Works of John Angell James, 53.

[5] وهو مصطلح يعني تحقيق أو فحص أو مراجعة تُجرى للتأكد من حقائق أو تفاصيل مسألةٍ ما قبل الدخول فيها، مثل: التحقيق الذي تقوم به شركة ما قبل الدخول في معاملة مالية معينة أو الذي يقوم به الأفراد قبل إجراء أي عملية شراء مهمة – المترجم.

[6] وهي المُدَّة المنصوص عليها تقريبًا في القانون الأمريكي بدايةً من تاريخ اعتقال الشخص أو إرسال أمر استدعاء له للمثول أمام المحكمة إلى تاريخ بدء المحاكمة – المترجم.

[7] James, Christian Fellowship, 53.

[8] اُنْظُرْ:

Mark Dever, Nine Marks of a Healthy Church (Crossway, 2004), 174-78.

المزيد المتعلق بـ : مقالات