الوعظ واللاهوت

لَا يُوجَدُ تَطْبيقٌ؟ إِذًا أَنْتَ لَمْ تَعِظْ

مقالة
05.23.2022

هل جلستَ قبلًا في فصل دراسيّ متسائلًا ما الهدف من كل هٰذا؟ أنا أتذكّر جيدًا هذا الإحساس حين كنتُ أواجه مشاكل مع التفاضل والتكامل في الجامعة. كان يتم تقديم المنهاج وكأنّ تطبيق المبادئ أمر بديهي. ربما كان هذا حقيقيًّا بالنسبة لمهووسي الرياضيات في الفصل. لكن بالنسبة لي، أنا الذي تخصصتُ في دراسة الأدب الإنجليزي، كان هذا تدريبًا فاشلًا ومستمرًا على التفكير التجريديّ المحض. دون فهم التطبيق العملي في العالم الواقعي، كنتُ أعاني في فَهْم لماذا عليَّ أن أعرف قيمة أيّ شيء يقترب من اللانهائية، ولا يبلغها أبدًا.

وإنْ كنتَ من عباقرة الرياضيات، فما عليك إلَّا أن تتذكر إحساسك حين كان يطلب منك أحدهم مناقشة معنى إحدى قصائد شكسبير القصيرة.

الشرح ليس هو التطبيق

أنا لا أحاول أن أنبش الذكريات السيئة. لكنّي أخاف أن نكون كوعاظ مذنِبين بأننا نضَع أعضاء الكنيسة كل يوم أحد في موقف روحيّ يعادل الموقف الذي يُوضَع فيه طالب مُبتدئ عند دراسته للتفاضل والتكامل أو التأليف الأدبي. مثل الكثير من المعلمين في مجالات عديدة، فنحن شغوفون بمادتنا العلمية ومتأهِّبون جيدًا. يُمكِننا إجابة أيّ سؤال عن زمن الفِعل اليوناني أو العبري والخلفية التاريخية والثقافية لحضارات الشرق الأدنى القديم. يُمكِننا أن نشير إلى تبايُن الألفاظ وتشابُهها قبل حتى أن يعرف شعبنا كيف ينطقون الكلمة. ونحن مستعدون أن نشرح لماذا أخطأ المترجمون الخبراء وأنَّ عليهم بالأحرى أن يتبعوا قراءتنا نحن. 

وبالرغم من كلّ هٰذه الثروة من المعرفة والفهم، والتي نقدّمها بشغف كبير بسبب أهميتها، لكن شعب كنيستنا يظلّ غير فاهمٍ ماذا يفعل بها. إنهم يعرفون أنها مُهِمَّة، لأنها كلمة الله. والأهم من ذلك، إنهم يعرفون أنها من المفترض أن تكون كلمة من الله لهم. لكن بعد أن نشرح لهم الكلمة، نقول لهم ما معناه، “الأمر في أَيْديكم. عليكم أن تكتشفوا بأنفسكم كيف تطبّقونها”. أو الأسوأ من ذلك، نجعل الناس يشعرون بالقليل من الحرج وعدم الروحانية لأنهم لا يعرفون كيف يطبّقونها، بينما يبدو الأمر بديهيًا لنا.

يجب ألّا نكتفيَ كوعاظ بتفسير النص للشعب. إنْ أردنا أن نكون رعاة صالحين، علينا أن نطبّق النص على حياتهم اليوم.

إذًا، لماذا لا نفعل ذلك؟ يُمكِنني أن أرى عدة أسباب.

أولًا، التطبيق عمل شاقّ. فتحليل لغة النص وسياقه هو لعب أطفال، مقارنةً بالتفكير في تعقيد قلب الإنسان وحالته.

ثانيًا، التطبيق أمر غير موضوعي، فإنني أقدر أن أميّز الأمر حين أشرح جملة على نحو صحيح، أو أحلِّل فعلًا أو أعربه. لكن كيف أعرف أني قد أصَبْت في تقديم التطبيق.

ثالثًا، التطبيق أمر معقّد. للنص هدف رئيسيّ. لكن هناك عدد هائل من التطبيقات، ربما بعدد المستمعين. وفرْز هٰذا العدد الضخم من الاختيارات هو أمر مُضنٍ. 

رابعًا، التطبيق أمر شخصيّ. بمجرد أن أبدأ في التفكير كيف ينطبق نصٌّ ما على شعب كنيستي، لا يمكنني إلّا أن أفكر في كيف ينطبق عليَّ أنا. وأحيانًا، أحبِّذ أن أفسر النص وحسب عوضًا عن التعامل مع هذه المعضلة.

تتعلق كلّ هذه الأسباب بالجسد، وبرغبتنا إمَّا في أن نتجنب العمل الشاق الذي لا نُحسِنه، أو في أن نتجنب التبكيت الشخصي بالكامل. لذا يجب أن تكون التوبة هي استجابتنا لهذه الأعذار جميعها.

التطبيق ليس هو التبكيت 

 لكن هناك سبب خامس، وأكثر لاهوتية، يجعل بعضًا منَّا يهمل التطبيق في عظاتنا. وهو أننا مقتنعون أنَّ التطبيق هو عمل شخص آخَر وأنه يتخطى نطاق مسؤُولياتنا وخبراتنا. أليس الروح القدس هو مَن عليه في النهاية أن يجعل للنص تطبيقًا في قلب الشخص؟ إنْ وضعتُ تطبيقًا، ولم ينطبق عليهم، ألَا أكون بهذا أخرجتُ الناس من إطار عمل الروح القدس؟ لكن إنْ وضعتُ الحق أمام الناس، ثم خرجتُ من المشهد، سيصبح المجال مفتوحًا أمام الروح القدس ليقوم بعمله. وهو سيقوم بالأمر بصورة أفضل مني بكثير.

لقد سمعتُ أكثر من واعظ معاصر معروف ومُقدَّر يطرح هذه الفكرة. لكن مع كامل احترامي، أعتقد أنَّ هذا الاعتراض غير كتابيّ ومغلوط لاهوتيًّا. المغالطة هنا هي عدم التمييز بين التبكيت والتطبيق. فالتبكيت على خطية، وعلى بِرٍّ، وعلى دينونة هو عمل الروح القدس (يوحنا 16: 8). لا أحد سوى الروح القدس يمكنه أن يُبَكِّت تبكيتًا حقًا، وحين نحاول القيام بعمله بدلًا منه، سننزلق بالتأكيد إلى التشدد الناموسيّ. لماذا؟ لأن التبكيت أمر قلبيّ، فيه يقتنع الشخص أنَّ أمرًا ما ليس فقط حقيقيًا، بل أيضًا يصبح مسؤولًا أمام الله عن هذا الحق وعليه أن يعيش بمقتضاه.

يختلف التطبيق عن التبكيت. رغم أنَّ هدف التطبيق هو القلب، لكنّه يُصوَّب ناحية الذهن أو الفهم. إنْ كان عِلم التفسير يتطلّب منَّا أن نفهم السياق الأصليّ للنص، فالتطبيق يتعلّق بفحص السياق العصري الذي يُسمَع فيه هذا النص. إنه يتعلّق بتمييز جوانب الحياة، والأخلاق، والفهم التي يجب لكلمة المسيح هذه أن تسكن فيها بغنى (كولوسي 3: 16). كلنا نميل أن نستمع من خلال مرشّحاتنا الخاصة ومن خلال خبرتنا. لذا حين يجتهد الراعي في تطبيق الكلمة، هناك فرصة لنا أن نفكر في أهمية تلك الفقرة بطُرُق لم نفكر فيها من قبل، أو قد لا نفكر فيها في المعتاد.

لذا، على سبيل المثال، حين أستمع إلى يوحنا 3: 16، أفكر على الفور في دعوتي للكرازة. هذا هو تطبيقي الشخصي، الطبيعيّ، شبه التلقائي، لهٰذه الآية. لكن ربما يجعلني التطبيق الوعظي الفاحص أفكر بعمق أكثر في طبيعة حب الله لي، أو معنى أن تكون لي في المسيح حياة أبدية. حين أتوسّع في فهمي للتطبيقات المحتملة من هذه الآية الواحدة، يبدأ يوحنا 3: 16 في السُّكْنى بغنى أكثر في حياتي. إنَّ التطبيق الجيد يُضاعِف من فرص التبكيت، وهذا أبعد ما يكون عن التدخُّل في عمل الروح القدس.

اجتناب التطبيق أمر غير كتابيّ

إنَّ اجتناب التطبيق هو أيضًا أمر غير كتابيّ. إنَّ التطبيق هو بالضبط ما نرى وعّاظ ومعلمي كلمة الله يقدمونه في صفحات كلمة الله. بدايةً من التثنية 6: 7 ـــــــــ حين يُقال للآباء ﴿قُصَّهَا (هذه الوصايا) عَلَى أوْلَادِكَ،﴾ وحتى نحميا 8: 8 — حيث لم يقُم عزرا واللاويون بقراءة الشريعة للشعب فقط لكنهم تعبوا و﴿فَسَّرُوا المَعْنَى، وَأَفْهَمُوهُمُ القِرَاءَة،﴾ فنحن نرى أنَّ العهد القديم كان مهتمًّا ألَّا يكتفيَ شعب الله بمعرفة كلمته فقط، بل أيضًا أن يفهم أهميتها في حياته.

وقد استمر هذا الاهتمام في تعاليم يسوع والرسل. يؤكد يسوع في لوقا 8: 21 على علاقته بهؤلاء ﴿الَّذِينَ يَسْمَعُونَ كَلِمَةَ اللهِ وَيَعْمَلُونَ بِهَا﴾ وقد كانت تعاليمه مفعمَة بما يبدو أنه تطبيق لكلمة الله، بدءًا من الموعظة على الجبل. كانت رسائل الرسل مملوءةً بالتطبيق العملي، وقد نقلوا هذا الاهتمام للشيوخ، الذين كان عليهم أن يُعَلِّموا التقوى العملية (1 تيموثاوس 4) وأن يُودِعوا نفس هذا التعليم ﴿أُنَاسًا أُمَنَاءَ، يَكُونُونَ أَكْفَاءٍ أنْ يُعَلِّمُوا آخَرِينَ أيْضًا﴾ (2 تيموثاوس 2: 2).

ولا نرى هٰذا أكثر وضوحًا من المكتوب في أفسس 4: 12-13. أعطى المسيح الرعاة والمعلمين للكنيسة ﴿لأَجْلِ تَكْمِيلِ الْقِدِّيسِينَ لِعَمَلِ الْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ.﴾ كيف يُمكِننا أن نؤهّل أعضاء الكنيسة لخدماتهم المتنوعة في الكنيسة وخارجها، إنْ لم نتكلم بالتحديد وبصورة عملية لتحقيق هٰذا الهدف؟ اعتبَر بولس أن التطبيق هو الموضِع الذي يجب أن نصوِّب نحوه دائمًا عوضًا عن تجنُّبه.

بعض الأمثلة

إذًا، كيف يبدو هٰذا الأمر بصورة عملية؟ دعوني أعطيكم مَثلَين. أولًا، تأمَّل في 2 صموئيل 11، قصة زنا داود مع بثشبع ثم إساءة استخدام السُلطة في التآمر لارتكاب جريمة قتل التستر على خطيته. بالطبع التطبيقات عن الطهارة الجنسية والقتل واضحة تمامًا بمجرد قراءة النص سطحيًا. لكن ماذا عن كلّ الناس في شعب كنيستك الذين لا يُشكّل لهم الزنا أو القتل إغراءً أو تجربة حالية؟ من المؤكد أنَّ هناك مِثل هؤلاء الأشخاص. ألَا يُوجَد شيء آخَر نقوله لهم؟ بالطبع يُوجَد. 

حين تنظر إلى خطية داود المُحدَّدة، يُمكِنك أن تساعدهم أن يروا نمط الخطية عمومًا، طبيعتها المُخادِعة، والانتهازية، والتدريجية. ثم يُمكِنك أن تساعدهم أن يفكروا في “خطايا انتهاز الفرصة” التي يواجهونها، ليس بصفتهم ملك إسرائيل، بل كأمَّهات وجَدَّات، كطلبة جامعيين وموظفين، كمديرين، وكمتقاعدين. حين تقوم بالتطبيق، أنت لا تحاول أن تكون شاملًا أي تقدم كل تطبيق ممكن. بل أنت تحاول أن تعطيهم شعور بالنص وإدراكه لتجعل الأفكار المتعلقة بحياتهم الشخصية تدور في أذهانهم.

أو تأمَّل أفسس 6: 1-4. هذا النص يدور حول الواجبات المتبادلة بين الآباء والأبناء. ويُوجَد الكثير من التطبيقات هنا. لكن ماذا عن الناس في شعب كنيستك الذين ليس لديهم أطفال، أو لم يعُد أبناؤهم يعيشون معهم؟ هل عليهم أن يكتفوا بالاستماع فقط، على أمل أن يتعلَّموا شيئًا يشجّعون به الآباء من حولهم؟ هذه بداية. لكن هذه كلمة الله لهم هم أيضًا. إنَّ مبدأ ممارسة السلطان بطريقة سليمة والخضوع له، هو مبدأ ينطبق علينا جميعًا. المدرسون والطلبة، أصحاب العمل والموظفون، الشيوخ وشعب الكنيسة، عليهم كلهم أن يتعلَّموا شيئًا ما عن معنى الازدهار والنمو من خلال السلطة المُعطاة من الله وفي خضوع لها. كما هو مكتوب في تعاليم وستمينيستر الكبرى Westminster Larger Catechism، “ليس المقصود من الوصية الخامسة الآباء الطبيعيين فقط، لكن كلّ المتقدمين في العمر والمواهب؛ وخصوصًا مَن هم، بترتيب الله، في موضِع سُلطة علينا (إجابة 124). فكلُّنا يخضع لسُلطة في مكان ما، وأغلبنا يملك سُلطة في مكان ما. إن التطبيق التأمُّلي المتأنِّي سيوضح هذا الأمر.

ماذا يعني هذا بالنسبة لك.

إنَّ هٰذا كلّه، بحسب اعتقادي، يعني أنَّ العظة الخالية من التطبيق ليست عظة على الإطلاق، بل هي مجرد محاضرة من الكتاب المقدس. لا يجب أن يخرج الناس من محاضراتنا يتساءلون ما المقصود من كلّ هٰذا. بل علينا أن نجتهد في تطبيق النص، حتى نصل إلى ﴿بُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ . . . إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ.﴾


هذه المقالة مُترجمة بالشراكة مع خدمة الحق يحرركم. قم بزيارة موقعهم الإلكتروني للمزيد من المصادر المُتمركزة حول الإنجيل.

المزيد المتعلق بـ : مقالات