العيش معًا

كيف تغيّر رأيي!

مقالة
05.23.2022

منذ أن أصبحت مؤمنًا في المرحلة الثانوية، كان دور جماعة المؤمنين المحلية مُهمًا بالنسبة لي. أتذكّر قضاء بعض (حسنًا، الكثير) من الساعات في أول صيفٍ بعد إيماني في مكتبة الكنيسة، وأنا أجمع الإحصائيات عن العضوية المتزايدة لكنيستنا وجدولة هذا الأمر بمقارنته مع الحضور المتناقص. الرسم البياني السابق لعصر الكمبيوتر والذي رسمته بناءً على هذا البحث، كان مجرد لوحة ملصقات مرسوم عليها خطوط دقيقة للعضوية والحضور والتي تباعدت بشكل ملحوظ في وقتٍ ما بين أربعينيات أو خمسينيات القرن الماضي.على الرغم من أنني قضيت ساعات وساعات بالفعل في عمل هذه اللوحة- والأرقام التي بُنيت عليها- إلا أنها لم تحظى إلا بتفاعل محدود جدًّا فقط على حائط بارز في كنيستنا. لقد علقتها على الحائط بدون أخذ تصريح (لم أفكّر في هذا الأمر). ولكن على النحو الواجب وبسرعة تم إنزالها عن الحائط.

ومع نموّي في الإيمان المسيحي وعندما اتّسع فهمي لنعمة الله خلال سنوات دراستي قبل التخرج ودراستي في كلية اللاهوت، نما أيضًا قلقي حيال المسيحية الاسمية nominalism في الكنيسة. ببساطة، إن العديد من حالات “التحوُّل للإيمان” التي تم تسجيلها بدَت زائفة بشكل واضح بالنسبة لي. وازداد تشكُّكي في الكرازة التي أنتجت هذه الشخصيات المنتفخة، والأكثر أهمية، أنّ هؤلاء الناس هم متأكِّدين جدًّأ من خلاصِهم وغير فعّالين جدًّا أيضًا.

إلا أنه، في أثناء دراستي للحصول على درجة الدكتوراة، منذ حوالي عشَر سنوات، بدأ ذهني يركِّز أكثر على موضوع الكنيسة، وخصوصًا على المكانة المركزية لجماعة المؤمنين المحلية. أتذكّر أنني قمت بحوار مثير للجدل في يوم من الأيام مع صديق كان يعمل ضمن مؤسّسة مستقلة عن الكنيسة. وقد كُنّا نرتاد نفس الكنيسة. لقد انضممت للكنيسة عند بداية انتقالنا إلى المدينة. وبعد سنتين، هو اختار الحضور فقط. وحتى في حضوره، كان يأتي لحضور الخدمة الصباحية فقط، ويأتي مُتأخرًا بعد نصف الوقت عندما يحين وقت العظة. لذا، قرّرت أن أسأله عن هذا الأمر في يوم ما.

لقد أجاب بصراحته وشفافيته المعهودة، قائلًا: “إنّني لا أستفيد أي شيء حقًّا من بقية فترة العبادة.” فسألته، “هل فكّرت يومًا في الانضمام إلى عضوية الكنيسة؟” أجاب وهو مذهول بشكل حقيقي وضحك ضحكة مكتومة بريئة وقال: “أنضمّ إلى الكنيسة؟ بصراحة لا أعرف سببًا يدفعني للقيام بهذا الأمر. أنا أعرف ما أنا هنا لأجله، وهؤلاء الناس سيُبطئون من مسيرتي فحَسْب.” تبدو هذه الكلمات باردة عندما أقرأها، ولكن نُطِق بها بدفء مثالي، حقيقي، ومتواضع من كارز موهوب لا يريد إضاعة ساعة من وقت الرب. لقد كان يريد أن يستغلّ وقته بأفضل طريقة ممكنة، وكل الانشغال والانزعاج بشأن الحضور والانضمام الرسمي للكنيسة بدا وكأنّ لا علاقة له به على الإطلاق.

ظلّ صدى هذه الكلمات يتردَّد في ذهني: “هؤلاء الناس سيُبطئون من مسيرتي”. تسابقت في ذهني أفكارٌ عديدة، ولكن كل ما قلته كان سؤالًا بسيطًا – “ولكن هل سبق أن فكّرت أنه إذا أخذت بأيدي هؤلاء الناس، قد يُبطئون من مسيرتك، نعم، ولكنك أنت قد تساعد في أن تجعلهم يسرعون؟ هل خطر ببالِك أن هذا قد يكون جزءًا من خطة الله لهم، ولك؟” واستمر الحوار، لكن الجزء الأساسي، والمُحدِّد لهذه المناقشة كان قد حُسِم بالنسبة لتفكيري. يقصد الله أن يستخدمنا في حياة بعضنا البعض- حتى فيما يبدو أحيانًا أنه تكلفة روحية نتحمّلها.

في الوقت ذاته، لقد أتاحت لي دراستي للفكر الپيوريتاني (التطهُّري) الفرصة لأقرأ الجدال اللاهوتي المتطور عن السياسة الكنسيّة في فترة حكم الملكة إليزابيث وبداية حكم الملك ستيورات. كان الجدال الكبير في مجمع وستمنستر شيقًا بشكل خاص بالنسبة لي. فقد انجذبت لجدال بعض “المستقلين” (Independents) أو “مؤيدي جماعة المؤمنين” (Congregationalists)، والذين قالوا أن السلطة الرعوية ترتبط بالعلاقة الرعوية بشكل أساسي. لقد بدَت حُججهم بأن جماعة المؤمنين المحلية هي بمثابة الهيئة القضائية العليا في أمور التأديب الكنسي والعقيدة مُقنعة كتابيًا (انظر متى 18: 17، 1كو5، 2كو 2، غل، 2تيمو 4). لقد أصبح دور كل من الراعي وجماعة المؤمنين يتخذ أهمية جديدة في ذهني إزاء الكيفية التي يجب على المسيحي العادي أن يعيش بها حياته المسيحية.

ثم في عام 1994 أصبحت الراعي الأصيل. بينما كنت أحترم منصب الشيوخ دائمًا، وكنت قد خدمت كشيخ بالفعل في كنيستين، إلا أن تولِّي دور الراعي الوحيد الذي يتصدّر المشهد في جماعة المؤمنين جعلني أفكّر أكثر (وبشكل شخصي) حول أهمية هذا المنصب. نصوص مثل يعقوب 3: 1 (“عَالِمِينَ أَنَّنَا نَأْخُذُ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ!”) والعبرانيين 13: 17 (“سَوْفَ يُعْطُونَ حِسَابًا”) كانت تطوف في ذهني بشكل أكبر. تضافرت الظروف لتؤكّد لي على الأهمية التي يوليها الله للكنيسة المحلية.

أتذكر قراءة اقتباس لچون براون John Brown، والذي قاله في خطاب موجّهًا بعض النصائح الأبوية إلى أحد تلاميذه، والذي ارتسم حديثًا ليكون راعيًا على جماعة مؤمنين صغيرة، فقال: “إنّي أعلم غرور قلبك، وأنك ستشعر بالخزي أن كنيستك صغيرة جدًا من حيث عدد الأعضاء، مقارنة بكنائس إخوتك من حولك: ولكن طَمئِن نفسك بكلمات رجل عجوز، أنه عندما تأتي لتعطي حسابًا عنهم للمسيح الرب، عند عرش دينونته، سوف تعتقد أنك قد حصلت على ما يكفي.” عندما نظرت إلى جماعة المؤمنين التي كنت مسؤولًا عنها، شعرت بثقل هذا الحساب لله.

استمر هذا الدرس في أن يكون شخصيًّا لي أكثر فأكثر من خلال عملي الأسبوعي المتواصل. من خلال الوعظ عبر الأناجيل، ثم الرسائل، أُتيحت لي الفرصة مرارًا وتكرارًا لكي أنقّح مفاهيم تختص بالمحبة المسيحية. فبينما كنت أشير إلى أنه بينما تُعلّم بعض النصوص بالفعل أن علينا كمسيحيين أن نحب الجميع (مثال 1 تس 3: 12)، إلّا أن العديد من النصوص المستخدمة تقليديًّا لتعلمنا هذا الأمر، لها علاقة فعليًا بمحبتنا بعضنا لبعض. أتذكر أنني وعظت من إنجيل متى 26، مشيرًا إلى أن التعليمات المتعلقة بإعطاء كؤوس ماء باردة تخصّ ” بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ”، وأتت إليّ امرأة بعد الخدمة وقالت لي أني دمّرت “آية الشعار لحياتها!”

إلا أنه، بالنسبة لي، فإن كل مقاطع “أحدكم الآخر” “بعضكم بعضًا” بدأت تحيا وتجسد الحقائق اللاهوتية التي عرفتها عن الله واهتمامه بكنيسته. عندما وعظت من أفسس 2-3 أصبح واضحًا لي أن الكنيسة هي مركز خطة الله لإظهار حكمته للكائنات السماوية. عندما تحدث بولس إلى شيوخ أفسس، أشار إلى الكنيسة على أنها شيء “اشتراه الله بدمه”، (أع 20: 28). وبالطبع، على الطريق إلى دمشق في وقت سابق عندما اعتُرض طريق شاول وهو على طريقه لاضطهاد المسيحيين، فإن المسيح المقام لم يسأل شاول عن السبب الذي جعله يضطهد هؤلاء المسيحيين، أو حتى الكنيسة؛ بل بالأحرى، فإن المسيح اتّحد بكنيسته إلى حد السؤال المليء بالاتهام والذي طرحه على شاول: “لماذا تضطهدني؟” (أع 9: 4). فمن الواضح جدًا أن الكنيسة كانت محورية في خطة الله الأزلية، وفي ذبيحته، وفي عنايته المستمرة.

قد يبدو كل هذا مثل شرح لمركزية عقيدة الكنيسة (الإكليزيولوجي) أكثر من كونه للكنيسة المحلية، ولكن بما أنني وعظت عبر الكتاب المقدس من أسبوع لآخر، فإن ما لا يمكن إنكاره بالنسبة لي هو أن قرار تنديل Tyndale بترجمة “إكليسيا” إلى “جماعة مؤمنين” كان مُوفقًا! أهمية شبكة العلاقات التي تكوّن الكنيسة المحلية هي المكان الذي نعيش فيه تلمذتنا بشكل عملي. إن المحبة محلية بشكل كبير. وجماعة المؤمنين المحلية، إذًا، هي المكان الذي يدّعي أن يُظهر هذه المحبة ليراها العالم كله. لذلك علّم يسوع تلاميذه في يوحنا 13: 34- 35: “وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. بِهذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضًا لِبَعْضٍ.”

لقد رأيت الأصدقاء وأفراد العائلة يبتعدون عن المسيح لأنهم يرون الكنيسة المحلية على أنها مكان سيء للغاية. ولقد رأيت الأصدقاء والعائلة يأتون للمسيح لأنهم رأوا هذه المحبة عينها التي علّم بها يسوع وعاشها ــــــ محبة الواحد للآخر، المحبة غير الأنانية التي أظهرها ــــــ وشعروا بالانجذاب البشري الطبيعي لها. وهكذا أصبحت جماعة المؤمنين ــــــ جماعة المؤمنين كاختبار للكلمة المُعاشة ــــــ أكثر مركزية (أهمية) لفهمي للكرازة، وللكيفية التي يجب أن نصلّي ونخطِّط بها للكرازة.

لقد أصبحت جماعة المؤمنين أيضًا أكثر محورية في فهمي للكيفية التي نميِّز بها التحوُّل الحقيقي للإيمان في حياة الآخرين، وكيف ننعَم نحن بالضمان بخصوص تحوُّلنا للإيمان أنفُسنا. أتذكّر أنّني صُدِمت بواسطة نص (1 يوحنا 4: 20- 21) عندما كنت أتحضّر لأعظ منه: “إِنْ قَالَ أَحَدٌ:«إِنِّي أُحِبُّ اللهَ» وَأَبْغَضَ أَخَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ. لأَنَّ مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ الَّذِي أَبْصَرَهُ، كَيْفَ يَقْدِرُ أَنْ يُحِبَّ اللهَ الَّذِي لَمْ يُبْصِرْهُ؟ وَلَنَا هذِهِ الْوَصِيَّةُ مِنْهُ: أَنَّ مَنْ يُحِبُّ اللهَ يُحِبُّ أَخَاهُ أَيْضًا.” يحمل يعقوب 1 و2 الرسالة ذاتها. يبدو أن هذه المحبة ليست اختيارية.

مؤخّرًا، لقد أحدث تقدير مركزية جماعة المؤمنين في تفكيري احترامًا جديدًا لعقيدة التأديب في إطار الكنيسة المحلية- التشكيلي والتقويمي (التصحيحي). من الواضح أنه إذا كُنّا نريد الاعتماد على بعضنا البعض في كنائسنا، فيجب أن يكون التأديب الكنسي جزءًا من التلمذة. وإذا أردنا تطبيق نوع التأديب الكنسي الذي نراه في العهد الجديد، فيجب أن نعرف الآخرين، ونكون ملتزمين نحوهم، وندَعهم يعرفوننا. يجب أيضًا أن نتحلّى ببعض الثقة في السلطة. كل الأمور العملية المختصة بالثقة في السلطة في الزواج، والبيت، والكنيسة يتم حلّها على المستوى المحلي. إن إساءة فهم هذا الأمر، والوصول إلى عدم محبة السلطة والاستياء منها يبدو قريبًا جدًا إلى صميم حادثة السقوط. وبالتالي، فإن فهم هذا الأمر يبدو قريبًا جدًا من قلب عمل الله المنعم والمختص بإعادة تأسيس علاقته معنا- علاقة سلطة ومحبة معًا.

وبصفة عامة، يمكنني أن أرى لماذا تعامل المسيحيون في الماضي مع عدم الالتزام بحضور الكنيسة على أنه أمر جسيم جدًّا. وأعتقد أنه يمكنني أن أرى أي ضررٍ بدأ يلحق بالعديد من المستويات عندما بدأنا في مشاهدة خطوط العضوية وحضور الكنيسة تتباعد. إن تحويل القرارات المختصة بحضور الكنيسة من كونها أمورًا مقلقة للجماعة ككل إلى كونها مجرد أمور تختص بالقرارات الخاصة- ليست مشكلتنا- قد جلبت الخراب في كنائسنا، وفي حياة العديد من الناس الذين كانوا يحضرونها قبلًا.

أصبح لدي الآن المزيد من الأسئلة التي تتدفق في ذهني، 

الأسئلة المختصة بكليات اللاهوت و”القادة المسيحيين” الذين يذهبون إلى مكان مختلف كل أسبوع، والقساوسة الذين لا يفهمون أهمية جماعة المؤمنين، والخراف المسكينة الذين يتوهون مثل الكثير من المُستهلكين المُحبطين من كنيسة لأخرى. 

إن شاء الله ، سيكون العقد التالي شيقًا مثل الذي مضى.


هذه المقالة مُترجمة بالشراكة مع خدمة الصورة. قم بزيارة موقعهم الإلكتروني للمزيد من المصادر المُتمركزة حول الإنجيل.

المزيد المتعلق بـ : مقالات