القيادة الكنسيَّة
اللاهوت الكتابي والرعاية
كيف ستكتب الوصف الوظيفي للقَسّ؟ أين ستبحث عن نماذج؟ ربما ستطلب من بضع كنائس محليَّة أخرى وصفهم الوظيفي للقَسّ، وتُجرِي بضع تعديلات عليه ليعكس جدول كنيستك وبرامجها.
وهذا يَفتَرِض بالطبع أنَّ الجميع يعرفون بالفعل ما المُفتَرَض أن يكونه القَس وما المُفتَرَض أن يفعله، ولكن كيف نعرف ما هو الدور الأساسي للقس؟
ينبغي علينا بالتأكيد أن ننظر للكتاب المقدُّس ليُخبِرنا ما هو القَسّ، ولكن أين في الكتاب المقدُّس؟ يمكننا البدء بالعمل المُتَضَمَّن في مؤهلات الشيوخ (1 تيموثاوس 3: 1-7؛ تيطس 1: 5-10)، وتأمُّل الوصايا الصريحة المُعطاة لقادة الكنيسة. عندما نحفر تحت سطح بعض هذه الوصايا على الرغم من ذلك، تظهر صورة مثيرة للاهتمام، تأمَّلْ أعمال الرسل 20: 28 ورسالة بطرس الأولى 5: 1-3، واللذان كلاهما مُوَجَّه إلى شيوخ الكنائس المحليَّة:
اِحْتَرِزُوا إِذًا لأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ الرَّعِيَّةِ الَّتِي أَقَامَكُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ فِيهَا أَسَاقِفَةً، لِتَرْعَوْا [في اليوناني: poimainein] كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ (أعمال الرسل 20: 28).
أَطْلُبُ إِلَى الشُّيُوخِ الَّذِينَ بَيْنَكُمْ، أَنَا الشَّيْخَ رَفِيقَهُمْ، وَالشَّاهِدَ لآلاَمِ الْمَسِيحِ، وَشَرِيكَ الْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُعْلَنَ، ارْعَوْا [في اليوناني: poimanate] رَعِيَّةَ اللهِ الَّتِي بَيْنَكُمْ نُظَّارًا، لاَ عَنِ اضْطِرَارٍ بَلْ بِالاخْتِيَارِ [كما يريد الله]، وَلاَ لِرِبْحٍ قَبِيحٍ بَلْ بِنَشَاطٍ، وَلاَ كَمَنْ يَسُودُ عَلَى الأَنْصِبَةِ، بَلْ صَائِرِينَ أَمْثِلَةً لِلرَّعِيَّةِ (1 بطرس 5: 1-3).
تتلخَّص المهمة الرئيسيَّة للقَسّ في كُلٍّ من هذين المقطعين في الفعل اليوناني poimaino، والذي معناه الأساسي هو “الرعاية” كما في رَعْي الغنم (لوقا 17: 7؛ 1 كورنثوس 9: 7). يُلَخِّص كلٌّ من بولس في أعمال الرسل، وبطرس في رسالة بطرس الأولى عمل القَسّ في كلمةٍ واحدةٍ: الرعاية.
وفي أفسس 4: 11 يُشير بولس إلى القسوس على أنَّهم “مُعَلِّمِونَ رُعَاة” مُبرهِنًا مرةً أخرى على أن فكرة الرعاية هي فكرة أساسيَّة في وظيفة القَسّ. تأتي الكلمة الإنجليزيَّة “pastor” أو “قَس” نفسها في الواقع من الكلمة اللاتينيَّة pastor التي تعني “راعي”؛ ومن ثَمَّ فالرعاية أساسيَّة لكلمة “pastor” أو “قَس”، وأساسيَّة كذلك للأوصاف الكتابيَّة للقُسُوسَة.
ولكن أين نتعلم معنى الرعاية؟ إذا كان لديك معرفة أساسيَّة بالغنم واحتياجاتها، تكون قد بَلَغْتَ لُبَّ الموضوع، فالغنم تحتاج إلى الإطعام والاعتناء والقيادة والحماية، وهذا ما يفعله القسوس لشعبهم معزوفًا على نغمةٍ روحيَّة.
قصة الرعاية في الكتاب المقدُّس
لكنَّ هذه الاستعارة تَتَّخِذ عُمقًا جديدًا كُلِّيًّا عندما نرى كيف تتكشَّف عبر قصة الكتاب المقدُّس، ففي نهاية المطاف يتعلم القسوس ما معنى أن تكون قَسًّا من الطريقة التي يرعى بها الله نفسه شعبه.
الراعي الإلهي للخروج
تبدأ قصة الرعاية في الكتاب المقدُّس جِدِّيًّا عندما يُصعِد الله شعبه من أرض مصر، ويقودهم أربعين سنةً في البريَّة، ويهديهم بأمان إلى أرضهم.[1] يقول مزمور 77: 20 في وصفه كامل فترة الخروج والبريَّة: “هَدَيْتَ شَعْبَكَ كَالْغَنَمِ / بِيَدِ مُوسَى وَهارُونَ”.
كراعٍ كان الله حاضرًا شخصيًّا مع شعبه (خروج 33: 15-16)؛ كراعٍ حمى الله شعبه (عدد 14: 7-9؛ تثنية 23: 14)؛ كراعٍ عَالَ الله شعبه مُطعِمًا إياهم (مزمور 78: 19؛ 105: 40-41) وشافيًا إياهم (خروج 15: 26؛ عدد 21: 8-9).
وكراعٍ قاد الله شعبه إلى مراعٍ خِصبَة: “قُدْتَ بِرَحْمَتِكَ الشَّعْبَ الَّذِي افْتَدَيْتَهُ، وَبِقُدْرَتِكَ هَدَيْتَهُ إِلَى مَسْكَنِكَ الْمُقَدَّسِ” [كتاب الحياة] (خروج 15: 13)؛ كراعٍ اجتذب الله شعبه برفقٍ وحُنُوٍّ:
قُدْتُهُمْ بِحِبَالِ اللُّطْفِ الْبَشَرِيَّةِ
وَبِرُبُطِ الْمَحَبَّةِ،
فَكُنْتُ لَهُمْ كَمَنْ يَرْفَعُ النِّيرَ عَنْ أَعْنَاقِهِمْ
وَيَنْحَنِي بِنَفْسِهِ لِيُطْعِمَهُمْ [كتاب الحياة] (هوشع 11: 4).
في كل هذا رعى الله شعبه من خلال موسى، القائد البشري الذي عَيَّنه ليرعاهم (مزمور 77: 20)، وطلب موسى نفسه من الرب خليفةً له “لِكَيْلاَ تَكُونَ جَمَاعَةُ الرَّبِّ كَالْغَنَمِ الَّتِي لاَ رَاعِيَ لَهَا” (عدد 27: 17).
لذا فإنَّ الرب، الملك الإلهي للخليقة، هو أيضًا راعي شعبه، وقد رعاهم من خلال راعٍ بشري مِنْ تعيينه هو.
داود الملك الراعي
وبعد مئات السنين يستمر هذا النمط في عهد داود وسلالته الحاكمة. لقد أخذ الرب داود من رعاية الغنم وجعله راعي إسرائيل (2 صموئيل 5: 1-3؛ 7: 8)، فيقول كاتب المزمور:
وَاخْتَارَ دَاوُدَ عَبْدَهُ،
وَأَخَذَهُ مِنْ حَظَائِرِ الْغَنَمِ.
مِنْ خَلْفِ الْمُرْضِعَاتِ أَتَى بِهِ،
لِيَرْعَى يَعْقُوبَ شَعْبَهُ،
وَإِسْرَائِيلَ مِيرَاثَهُ.
فَرَعَاهُمْ حَسَبَ كَمَالِ قَلْبِهِ،
وَبِمَهَارَةِ يَدَيْهِ هَدَاهُمْ (مزمور 78: 70-72).
وتمامًا كما رعى داود غنم مرعاه حانِيًا، هكذا -وفي معظم الأحوال- قاد إسرائيل قيادةً مسئولة وحنونة راعيًا إياهم بكمالٍ وحكمة.
ومع ذلك ظَلَّ الله نفسه الراعي الحقيقي لإسرائيل، فقد اعترف إسرائيل: “لأَنَّهُ هُوَ إِلهُنَا، / وَنَحْنُ شَعْبُ مَرْعَاهُ / وَغَنَمُ يَدِهِ” (مزمور 95: 7)، وأعلن داود، الراعي الأدنى المُعَيَّن من الله، اتكاله على إمداد الله وحمايته وإرشاده في الشعر السامي لمزمور 23.
ولكن لم يَقُدْ كُلُّ ملوكِ إسرائيل الرعاةِ شعبَ إسرائيل في المَرَاعي الخُضْر لطاعة كلمة الرب، بل قد قاد معظمهم شعب الله إلى الخرائب القاحلة للوثنيَّة والظلم؛ فبَدَّدَ الله قطيعه بين الأمم عِقابًا على خطيتهم (لاويين 26: 33؛ تثنية 4: 27؛ 28: 64؛ 1 ملوك 14: 15).
رُعَاةٌ جُدُد في الخروج الجديد
ولكن نفس الإله الذي بَدَّد شعبه وَعَدَ أن يجمعهم ثانيةً. في إرميا 23: 1-2 يُعلِن الرب الدينونة على ملوك إسرائيل الأشرار، الرُّعَاةِ الَّذِينَ أهلكوا وَبَدَّدوا غَنَمَ الله. لقد فشل هؤلاء الرعاة في أن يتعهدوا شعب الله بالرعاية والحماية؛ ولذلك سيتعهدهم الله بالدينونة، ولكن ليس هذا فقط، بل يقول الله في الآيات 3-4:
وَأَنَا أَجْمَعُ بَقِيَّةَ غَنَمِي مِنْ جَمِيعِ الأَرَاضِي الَّتِي طَرَدْتُهَا إِلَيْهَا، وَأَرُدُّهَا إِلَى مَرَابِضِهَا فَتُثْمِرُ وَتَكْثُرُ. وَأُقِيمُ عَلَيْهَا رُعَاةً يَرْعَوْنَهَا فَلاَ تَخَافُ بَعْدُ وَلاَ تَرْتَعِدُ وَلاَ تُفْقَدُ، يَقُولُ الرَّبُّ.
سَيَرُدُّ الرب سَبْيَ شعبه، ويكون لهم رُعَاة يَرْعَوْنَهم ويعولونهم ويحمونهم. ولكن كيف سيخدم هؤلاء الرعاة شعب الله؟ يُخبرنا المقطع الموازي في إرميا 3: 15 “وَأُعْطِيكُمْ رُعَاةً حَسَبَ قَلْبِي، فَيَرْعَوْنَكُمْ [يُطعِمونَكم] بِالْمَعْرِفَةِ وَالْفَهْمِ”، فقادة شعب الله الذي أعاد الله جمعه مرةً أخرى سيقودون الشعب من خلال إطعامه معرفةَ وفَهْمَ طُرُقِ الله وكَلِمَتِهِ.
وليس هذا فقط، بل سيُقيم الله أيضًا حاكِمًا هو الأسمى، وريث داود، الذي سيضمن خلاص كُلِّ شعب الله:
هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأُقِيمُ لِدَاوُدَ غُصْنَ بِرّ، فَيَمْلِكُ مَلِكٌ وَيَنْجَحُ، وَيُجْرِي حَقًّا وَعَدْلًا فِي الأَرْضِ. فِي أَيَّامِهِ يُخَلَّصُ يَهُوذَا، وَيَسْكُنُ إِسْرَائِيلُ آمِنًا، وَهذَا هُوَ اسْمُهُ الَّذِي يَدْعُونَهُ بِهِ: الرَّبُّ بِرُّنَا (إرميا 23: 5-6).
وهذا الجمع لشعب الله مرةً أخرى، ذلك الخروج الجديد (ولكن هذه المرة رجوعًا إلى أرضهم)، سيفوق حتى الخلاص العظيم الذي أصعد به الله شعبه من أرض مصر بريقًا ولمعانًا، ومن هذا الوقت فصاعدًا سيُصبِح هو الفعل الذي يُسَمِّي شعبُ الله به الله ويتذكره به (الآيات 7-8).
لذا سيجمع الله شعبه كراعٍ أمين، وسيُقيم الله رعاةً أمناء كثيرين ليَرْعَوْا شعبه، إلَّا أنَّ ملكًا راعيًا واحِدًا على وجه الخصوص سيُخَلِّص الشعب، ويضمن ازدهارهم الآمِن في المكان الذي وهبهم إياه الله، وتحت حُكْم الله.
يُقَدِّم إشعياء 40: 11 لمحةً أخرى عن فِعْل الله الخاص بقيامه بنفسه بجمع غنمه، ذلك الفِعْل الذي يُمَثِّل خروجًا جديدًا:
كَرَاعٍ يَرْعَى قَطِيعَهُ.
بِذِرَاعِهِ يَجْمَعُ الْحُمْلاَنَ،
وَفِي حِضْنِهِ يَحْمِلُهَا،
وَيَقُودُ الْمُرْضِعَاتِ.
يرسم حزقيال 34 لوحةً أكثر تفصيلًا لعمل الله كالراعي الذي سيُخَلِّص شعبه. لقد رعى رعاة إسرائيل الحالِيُّون أَنْفُسَهُم بدلًا من أن يرعوا الغنم، ولم يشفوا المريض أو يطلبوا الضال؛ والآن قد تَشَتَّتَتْ غنم الله (الآيات 1-6)، ولأجل كل هذا سيدين الله هؤلاء الرعاة الأشرار، ويُنقِذ غنمه بنفسه (الآيات 7-10). الله بنفسه سيفتقدها وينقذها ويجمعها إلى أرضها ويرعاها ويقودها لتَربِض وتستريح (الآيات 11-14). “أَنَا أَرْعَى غَنَمِي وَأُرْبِضُهَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. وَأَطْلُبُ الضَّالَّ، وَأَسْتَرِدُّ الْمَطْرُودَ، وَأَجْبِرُ الْكَسِيرَ، وَأَعْصِبُ الْجَرِيحَ… وَأَرْعَاهَا بِعَدْلٍ” (الآيات 15-16).
ومع ذلك يَعِد الله أيضًا: “وَأُقِيمُ عَلَيْهَا رَاعِيًا وَاحِدًا فَيَرْعَاهَا عَبْدِي دَاوُدُ، هُوَ يَرْعَاهَا وَهُوَ يَكُونُ لَهَا رَاعِيًا” (الآية 23)؛ وعلى هذا سيكون الله نفسه راعيها، ولكن كذلك أيضًا سيكون “عَبْده دَاوُد”، وعندما يعود الله مرةً أخرى ليرعى شعبه سيتمتعون بالسلام والبركة والأمان والوفرة والحريَّة والكرامة ومعرفة الله معرفة حقيقيَّة (الآيات 25-31).
يسوع الراعي الصالح
ولكن مَنْ هو هذا الراعي الذي يُقيمه الله على شعبه؟ إنَّه الرب يسوع، الراعي الصالح. لقد تَحَنَّنَ الرب يسوع عَلَى الجموع، إِذْ كَانُوا مُنْزَعِجِينَ وَمُنْطَرِحِينَ، غَنَمًا لاَ رَاعِيَ لَهَا (متى 9: 36)، والرب يسوع هو الراعي الصالح الذي أتى ليعطي خراف الله حياةً أفضل [وفيرة، حسب الترجمة الإنجليزيَّة المستخدمة] (يوحنا 10: 10)، والذي يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ خِرَافِ الله (الآيات 11، 15)، والذي يَعْرِفُ خَاصَّته [خِرَافَهُ الْخَاصَّةَ] (الآية 14)، والذي يجمع كل خرافه في قطيعٍ واحد [رَعِيَّة وَاحِدَة] (الآية 16).
إنَّ الاستعارة الخاصة بِكَوْن شعب الله خرافًا تَشَكَّلَتْ أولًا لوصف شعب إسرائيل في البريَّة: جائع، عطشان، ملفوح بالشمس، ليس في موطنه الحقيقي بعد. وبِعَزْفِ هذا على نغمةٍ روحيَّةٍ، نَجِد أنَّ كُلَّ هذه الأمور تَنطبِق على الكنيسة في العصر الحاضر، فكإسرائيل في البريَّة نحن لم ندخل راحة الله بعد (عبرانيِّين 4: 11)، ولسنا مُهَدَّدين فقط بالجوع والصِّعَاب، بل أيضًا بالمقاومة والاضطهاد.
الآن نحن ضعفاء وتائهون وتحت ضغط الصعوبات، ولكن في سفر الرؤيا يرى يوحنا لمحةً من مصيرنا النهائي:
لَنْ يَجُوعُوا بَعْدُ، وَلَنْ يَعْطَشُوا بَعْدُ،
وَلاَ تَقَعُ عَلَيْهِمِ الشَّمْسُ
وَلاَ شَيْءٌ مِنَ الْحَرِّ،
لأَنَّ الْخَرُوفَ الَّذِي فِي وَسَطِ الْعَرْشِ يَرْعَاهُمْ،
وَيَقْتَادُهُمْ إِلَى يَنَابِيعِ مَاءٍ حَيَّةٍ،
وَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ (رؤيا 7: 16-17).
إنَّ الرب يسوع هو راعينا، وهو راعٍ صالحٌ؛ إلَّا أنَّه قريبًا سيأتي يومٌ حين يُصبِح هو راعينا، ولا نَتَعَرَّض أبدًا مرةً أخرى لجوعٍ أو أَلَمٍ.
الرعاية مثل رئيس الرعاة
ماذا تقول هذه القصة إذًا لرعاة الكنيسة؟ تَدِلُّنا كلمات الرب يسوع الشهيرة لبطرس على الاتجاه الصحيح: ثلاث مرات سأل الرب يسوع بطرس إذا كان يحبه، وثلاث مرات أجاب بطرس بـ “نَعَم”، وثلاث مرات كَلَّف الرب يسوع بطرس برعاية غنمه (يوحنا 21: 15-17). يستعمل إنجيل يوحنا كلمتَيْنِ يونانيَّتَيْنِ مختلفتَيْنِ لكلمة “ارْعَ”[2] في هذا المقطع، ولكنَّهما تعنيان نفس الشيء، فكلتاهما تُشير إلى الرعاية الشاملة التي يُظهِرها الرعاة للغنم: الإطعام والاعتناء والقيادة والحماية، وهذا بالضبط هو نوع الرعاية التي يجب أن يُقَدِّمها القسوس لشعبهم.
على القسوس أن يُطعِموا شعبهم الكلمة واعظين إياهم بِالتَّعْلِيمِ الصَّحِيحِ (تيطس 1: 9-10)، ومُخبِرين إياهم بِكُلِّ مَشُورَةِ اللهِ (أعمال الرسل 20: 27). على القسوس أن يحموا شعبهم من التعليم الكاذب ومن أولئك الذين قد يُضِلّونهم (أعمال الرسل 20: 29-31). على القسوس أن يقودوا شعبهم من خلال منحهم قدوةً تقيَّةً يتمثَّلون بها (عبرانيِّين 13: 7)، وتجهيزهم [تكميلهم] للخدمة (أفسس 4: 12)، وتدبير شؤون الكنيسة تدبيرًا حكيمًا (1 تيموثاوس 5: 17). على القسوس أن يعتنوا بشعبهم بأن يُقَدِّموا لهم في حُنُوٍّ كل ما يحتاجون إليه من مشورة أو مساعدة أو تشجيع.
في كلمةٍ واحدة: القسوس يهتمون، وهُم لا يهتمون بشعبهم بمعنى أنهم ينشغلون فحسب بأمرهم، وإنَّما يهتمون بهم بمعنى أنهم يرعونهم؛ إنَّهم يعرفونهم ويفتقدونهم ويمنحونهم ما تحتاج إليه نفوسهم حتى عندما لا يعرف الشعب نفسه أو لا يريد ما هُو في أَمَسّ الحاجة إليه.
في كل هذا يعكس القسوس صورة الله الآب؛ إذ يَحُضُّ الرسول بولس قادة الكنيسة: “وَنَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ: أَنْذِرُوا الَّذِينَ بِلاَ تَرْتِيبٍ. شَجِّعُوا صِغَارَ النُّفُوسِ. أَسْنِدُوا الضُّعَفَاءَ. تَأَنَّوْا عَلَى الْجَمِيعِ” (1 تسالونيكي 5: 14)، وهذا النوع من الرعاية الفرديَّة هو بالضبط ما يَعِد الله أن يفعله لشعبه عندما يتعهَّد بأن يَطْلُبَ الضَّالَّ، وَيَسْتَرِدَّ الْمَطْرُودَ، وَيَجْبِرَ الْكَسِيرَ، وَيَرْعَاهُم جميعًا بِعَدْلٍ (حزقيال 34: 16).
ويعكس القسوس أيضًا صورة ربنا يسوع المسيح الذي رَعَى شعب الله قبل تَوَلّي أي قَسٍّ المسؤوليَّة، والذي يرعاهم طوال مدة خدمة كل قَسٍّ، والذي سيرعاهم بعد نهاية خدمة كل قَسٍّ؛ ولهذا يدعو بطرس الربَّ يسوع “رَئِيس الرُّعَاةِ” (1 بطرس 5: 4)، فيسوع هو الوريث الذي أقامه الله لداود؛ إنَّه “الملك الراعي” الحقيقي الوحيد لشعب الله. غير أنَّ خدمة الرب يسوع الرعويَّة لا تستبعد الرعاة البشريين، وإنَّما هي تُجَهِّزهم وتُمَكِّنهم.
أيها القَس، هل فكَّرتَ يومًا أنَّ ذات خدمتك لكنيستك المحليَّة تُشارِك في إتمام النبوة؟ تَذَكَّرْ أنَّ الله قد وَعَد أن يُقيم على شعبه رعاةً كثيرين حين يُقيم عليهم راعيه الأسمى (إرميا 23: 4، 5)، ومن المفترض أن يرعى [يُطعِم] هؤلاء الرعاة شعب الله بِالْمَعْرِفَةِ وَالْفَهْمِ (إرميا 3: 15).
إلى أي مدى تتوافق أولوياتك في الخدمة مع تلك التي للراعي الإلهي؟ ما مدى معرفتك باحتياجات غنمك الروحيَّة؟ ما مقدار الوقت والجهد الذي تُكَرِّسه لتلبية تلك الاحتياجات واحِدًا تِلو الآخر؟ هل تنشغل أكثر بعدد الأجساد الجديدة التي تدخل المبنى أم بحالة نفوسهم إذا كانت خائرة أم زاهية؟
هل أنت يَقِظٌ للتهديدات التي تُهَدِّد سلامة إيمان شعبك؟ أم أنَّك تترك خرافك فريسةً سهلة للمعلمين الكذبة بعدم تجهيزك إياهم بفَهْمٍ عميقٍ للتعليم الكتابي؟
هل تعرف أيّ خرافك ينمو جيدًا ويتمتع بصحة جيدة وأَيّهم يعاني من سوء تغذية؟ هل تعرف أَيّهم قوي روحيًّا وأيهم مريض؟ هل تعرف أَيّهم آمِن في الحظيرة وأَيّهم تائه في البريَّة؟
إذا كنت تريد دورةً تنشيطيَّة بسيطة[3] بشأن طبيعة عملك كقَسٍّ، فَكِّرْ في كيفيَّة رعاية الله لشعبه عبر كل قصة الكتاب المقدُّس. تَعَجَّبْ من عنايته الرقيقة وحمايته القويَّة؛ تَعَلَّمْ من تَعَهُّده الصبور باحتياجات شعبه المتنوعة؛ اِنْدَهِشْ من أعماق شفقة الله الحانية، أنَّ الذي يُمسِك المَجَرَّات في يده هو نفس الشخص الذي ينحني أيضًا للأسفل ليحمل تلك الخراف التي تَبلُغ من الضعف درجةً لا تُمَكِّنها من السير. وصَلِّ أن يجعلك الله بنعمته وبقوة روحه راعيًا حَسَبَ قَلْبِه.
[1] أعتمد في هذا القسم بأكمله على التفسير النَّصِّي لـ
Timothy S. Laniak, Shepherds after My Own Heart: Pastoral Traditions and Leadership in the Bible, New Studies in Biblical Theology 20 (Downers Grove, IL: InterVarsity Press, 2006).
[2] تستعمل بعض الترجمات كلمتين مختلفتين للتعبير عن الكلمتين المختلفتين في اليوناني؛ ولذا يشير الكاتب هنا إلى كلمتين مختلفتين في الترجمة الإنجليزية، “tend” و”feed”، تُعبِّران عن كلمة “ارْعَ” في ترجمة ڤاندايك (المترجم).
[3] هي دورة تدريبية قصيرة تساعد الأشخاص على مراجعة المعلومات والمهارات التي تتطلبها وظائفهم، أو تساعدهم على مواكبة آخر التطورات في مجال هذه الوظائف (المترجم).