الوعظ واللاهوت

إعادة التفكير في التماثل: الحالة الكتابيَّة للكنائس متعدِّدة الأعراق

مقالة
11.30.2022

أنا مؤمن مسيحيٌّ، هنديٌّ، ولقد كنت سابقًا عازفًا لموسيقى الروك. لقد نشأت في جنوب الهند، وعشت في ثقافة فرعيَّة معيَّنة داخل بوتقة التحضُّر الهنديِّ الخاصَّة بي.

عندما خلَّصني الربُّ في سنتي الأخيرة من الكلِّيَّة، سرعان ما وجدت نفسي محاطًا بأناس مختلفين تمامًا عنِّي -أشخاص من أعراق وثقافات مختلفة، يتحدَّثون لغات مختلفة، ويأكلون أنواعًا مختلفة من الطعام، حتَّى إنَّ تفضيلاتهم الموسيقيَّة كانت مختلفة تمامًا (فلم يعرفوا حتَّى من كان ديب بيربل!). هل كنت أشعر بعدم الراحة؟ نعم. لكن ما أدهشني في ذلك الوقت، والذي استمرَّ في إدهاشي حتَّى الآن، ليس الفروق الجذريَّة و”الاختلافات” التي فصلتنا. ما أدهشني هو الوحدة والأخوَّة التي تقاسمها هؤلاء الناس مع بعضهم البعض، على الرغم من كلِّ اختلافاتهم. إنَّها وحدة وأخوَّة انغمستُ فيها من خلال انتمائي ليسوع المسيح، الذي يكسر كلَّ الحواجز ويجمع كلَّ الشعوب معًا كأعضاء من عائلته.

لقد تمَّ افتراض أنَّ “مبدأ الوحدة المتماثلة” لنموِّ الكنيسة هو الطريق الأكثر فاعليَّة لمضاعفة عدد التلاميذ ولزراعة كنائس “إستراتيجيَّة” في كلٍّ من أمريكا الشماليَّة والإرساليَّات التي تعمل في جميع أنحاء العالم.[1] يقول معلِّمو نموِّ الكنيسة إنَّ الكنائس تنمو بشكل أسرع عندما يتمُّ نشر الإنجيل وفقًا للخطوط والشبكات الاجتماعيَّة القائمة، وعندما لا يضطرُّ الناس إلى عبور الحواجز العرقيَّة أو الثقافيَّة أو الطبقيَّة ليصبحوا مؤمنين.[2] وهكذا يتمُّ تجميع الناس معًا في كنائس يتمُّ رسم حدودها من خلال الفروق العرقيَّة واللغويَّة، والفروق القبليَّة أو الطبقيَّة، والوضع الاجتماعيِّ والاقتصاديِّ، والمستوى التعليميِّ، والمهنيِّ، وحتَّى مجموعات التقارب الشائعة -مثل كنائس رعاة البقر أو محبِّي ناسكار (وهذه ليست مبالغة، ابحث عنهم في جوجل!). يؤكِّد “مبدأ الوحدة المتماثلة” لنموِّ الكنيسة أنَّ مثل هذه الكنائس المتماثلة تنمو بشكل أسرع لأنَّها أكثر ملاءمة للغرباء الذين قد يشعرون بعدم الارتياح عند عبور الحدود الثقافيَّة أو العرقيَّة أو غيرها. وهذا التماثل “الإستراتيجيُّ” يهيمن على العديد من منظَّمات زرع الكنائس ويملأ صفحات كتيِّبات الإرساليَّات وكتيِّبات إستراتيجيَّات زرع الكنائس. لكن هل يدعم الكتاب المقدَّس التماثل؟ أم أنَّ الكتاب المقدَّس وضع رؤية مختلفة للكنيسة المحلِّيَّة؟

هدفي هنا هو دحض “مبدأ الوحدة المتماثلة” لنموِّ الكنيسة من خلال إظهار أنَّ هذا الإطار العمليَّ يعارض ويناقض الرؤية الرسوليَّة للكنيسة في العهد الجديد. وخلال قيامي بذلك، سأشرح كيف أنَّ تأسيس كنائس متعدِّدة الأعراق، حيثما أمكن ذلك، ليس فقط أكثر أمانةً للكتاب المقدَّس، ولكن أنَّ الكنائس متعدِّدة الأعراق تعرض بشكل كامل إنجيل يسوع المسيح المجيد.[3] بمعنى آخر، يجب على الكنائس أن تسعى جاهدة من أجل أن تكون متنوِّعة مثل المجتمعات التي توجد فيها.

لاهوت الكتاب المقدَّس (بإيجاز) عن خطَّة فداء الله متعدِّدة الأعراق

لوضع سياق الرؤية متعدِّدة الأعراق لمسيحيَّة العهد الجديد، سأستكشف بإيجاز كيف يعمل هذا الموضوع عبر الشريعة. يبدأ التنوُّع اللغويُّ في الكتاب المقدَّس في بابل، عندما يجيب الله عن التمرُّد المتغطرس للبشريَّة بأن يبلبل لسانهم (تكوين 11: 1-9). في الصفحة التالية مباشرة، نرى خطَّة الله متعدِّدة الأعراق للفداء في وعد الله العهديِّ مع إبراهيم بأن تتبارك جميع الأمم في نسل إبراهيم (تكوين 12: 1-3؛ 22: 15-18). يتمُّ توضيح هذا الوعد خلال الكتاب المقدَّس كلِّه، حيث وعد الله داود بمملكة عالميَّة يتمُّ من خلالها تثبيت شريعة الله ومجده في كلِّ الأرض (٢ صموئيل 7: 19؛ مزمور 72: 17-18). كما يوضِّح الأنبياء هذه الرؤية بشكل أكبر عندما يتنبؤون باسترداد أخرويٍّ مجيد حيث لن تتكوَّن إسرائيل المُعاد تشكيلها واستردادها من العرق اليهوديِّ فقط، بل من أناس من جميع الأمم الذين يعبدون ويعرفون يهوه، الإله الحقيقيَّ الحيَّ (إشعياء 2: 2-4؛ 56: 6-8؛ زكريَّا 8: 20-23).

يُظهر لنا العهد الجديد أنَّ وعد الله بالفداء العالميِّ قد تحقَّق في المسيح، ولم تعد حدود شعب الله تُحدَّد من خلال الهويَّة اليهوديَّة بل من خلال التوبة والإيمان بيسوع المسيح. فيُعاد جمع إسرائيل، وإعادة تشكيلها وإحيائها في ومن خلال المسيح المُقام الذي أسَّس العهد الجديد بدمه. يوفِّر الإيمان بالمسيح وصولاً كاملاً إلى العضويَّة في شعب العهد الجديد. تمَّ تفعيل حركة الفداء التاريخيَّة هذه في سفر أعمال الرسل، حيث يوضِّح لنا لوقا امتداد الإنجيل من خلال توسيع الدوائر متَّحدة المركز لتشمل أولئك الذين كانوا مستبعدين في يوم من الأيَّام. ويجتمع شعب الله في تجمُّعات محلِّيَّة تعلن وتعكس إنجيل المسيح المجيد. يُتوَّج العهد الجديد برؤيا يوحنَّا المذهلة لعدد لا يحصى من الشعوب المفديَّة من كلِّ قبيلة وأمَّة ولسان، يعبدون المسيح في انسجام تامٍّ (رؤيا 7: 9-10).

عدم التماثل (التباين) في الكنائس التي أسَّسها الرسل

تساعدنا الرؤية الكتابيَّة اللاهوتيَّة للفداء العالميِّ على فهم النموذج الرسوليِّ للكنائس. ففي العهد الجديد، ينعكس المجد المتنوِّع لعمل المسيح الفدائيِّ في تأسيس كنائس محلِّيَّة تتقاطع مع الخطوط العرقيَّة والثقافيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة وحتَّى اللغويَّة.[4] هذا التباين اللافت للنظر في النموذج الرسوليِّ ينبع من الاقتناع السائد والثابت بالوحدة التي في المسيح، الذي صالح المؤمنين مع الله ومع بعضهم البعض (غلاطيَّة 3: 28؛ كولوسي 3: 11).[5] تتفوَّق “الوحدة” التي يشترك فيها هؤلاء الناس في يسوع المسيح على “الاختلافات” التي بينهم.

في أثناء نموِّ الكنيسة الأولى، واجه الرسل العديد من المشكلات التي ظهرت بسبب تنوُّع التجمُّعات الناشئة، لكنَّهم لم يقسموا الكنيسة إلى وحدات متماثلة. ودليل سفر أعمال الرسل هو أنَّ الكنيسة التي تشكَّلت في البداية في يوم الخمسين كانت تتألَّف من مؤمنين يهود من خلفيَّات ثقافيَّة ولغويَّة متنوِّعة (أعمال الرسل 2: 5-11). وفي (أعمال الرسل 6: 1-6)، تصاعدت التوتُّرات بين المجموعات الثقافيَّة-اللغويَّة المختلفة، بين يهود الشتات (اليونانيُّون) ويهود فلسطين (العبرانيُّون). لم يفصل الرسل بينهم، لكنَّهم حلُّوا القضايا من خلال تعيين رجال من الأقليَّات للعمل في الخدمة. يعزِّز سفر أعمال الرسل كذلك الطبيعة غير المتماثلة للكنيسة الأولى بإخبارنا عن تنوُّع القيادة في كنيسة أنطاكية (راجع أعمال الرسل 13: 1)، والتي تضمَّنت فرِّيسيًّا سابقًا (بولس)، وأمميًّا سابقًا (لوكيوس)، ولاويًّا سابقًا (برنابا)، وعضوًا في بلاط هيرودس (مناين)، ورجلاً ذا بشرة داكنة (سمعان الذي يُدعى النيجر).

وفي رسالة رومية، يخاطب بولس جماعة كانت تتكوَّن بلا شكٍّ من أناس من أعراق مختلفة، من اليهود واليونانيِّين (رومية 7: 1؛ 11: 13). ويناشدهم بولس أن يعيشوا معًا في المحبَّة بسبب الإنجيل وأن يضحُّوا بما يفضِّلونه من أجل الآخرين (رومية 13: 8-10؛ 14: 1-23). هنا نرى أنَّ الإنجيل يتضمَّن ليس فقط الخلاص الفرديَّ ولكن أيضًا تقديس الجماعات – يجب على المؤمنين أن يتعلَّموا العيش في مجتمع مع أولئك المختلفين عنهم من خلال اتِّباع مثال المسيح والاهتمام بالآخرين أكثر من أنفسهم.

كتب بولس رسالة كورنثوس الأولى إلى جماعة بها أعضاء من خلفيَّات متنوِّعة، وأكَّد في هذه الرسالة وحدتهم في المسيح وحثَّهم على تفضيل بعضهم البعض وإظهار الرقَّة تجاه ضمائر الإخوة الأضعف (1 كورنثوس 10: 23-33؛ 12: 12-13). وفي كلتا الحالتين، فإنَّ مسألة الكنائس المنفصلة على أساس التماثلات هي شىء غريب تمامًا عن فكر بولس. إنَّ الاعتبارات “الإستراتيجيَّة” للتواصل الأكثر فعاليَّة أو لجعل الناس يشعرون براحة أكبر لا تتفوَّق أبدًا على الحياة المشتركة في المسيح يسوع. عوضًا عن ذلك، فإنَّ الاقتناع بأنَّ المؤمنين هم خليقة جديدة في المسيح يقود إلى الوحدة المسيحيَّة داخل الكنيسة، حيث يحبُّ المؤمنون بعضهم البعض كما أحبَّهم المسيح. في الحقيقة، يعلن بولس عن تجلِّي حكمة الله المتنوِّعة ومجده من خلال وحدة الناس المختلفين في الكنيسة (أفسس 3: 1-10).

كذلك حطَّمت الكنيسة الأولى بشكل جذريٍّ الانقسامات الطبقيَّة الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة. لقد قلب بولس بشكل جذريٍّ النظام الاجتماعيَّ للعبوديَّة من خلال حثِّ العبيد والسادة على الشركة معًا كإخوة في المسيح في جماعة واحدة (1 كورنثوس 7: 17-24 ؛ فليمون 8-16). يزيل الإيمان بالمسيح الحالات الاجتماعيَّة كحدود للشركة. وبالمثل، يأمر يعقوب بعدم محاباة أو معاملة الأثرياء معاملة خاصَّة. ويفترض أنَّ الأغنياء والفقراء سيتعاونون معًا في وحدة، بدلاً من أن ينفصلوا في مجموعات متماثلة على أسس اجتماعيَّة واقتصاديَّة (يعقوب 2: 1-9). يُظهر لنا العهد الجديد أيضًا أنَّ الكنائس كانت “متعدِّدة الأجيال”، وتتألَّف من كلٍّ من الشباب وكبار السنِّ، الذين يعيشون في شركة ووحدة وخدمة تكريس كامل (1 تيموثاوس 4: 12؛ 5: 1-16؛ تيطس 2: 1-8؛ 1 يوحنَّا 2: 12-14).

لا يقتصر النموذج الرسوليُّ للجماعات غير المتماثلة متعدِّدة الأعراق على العهد الجديد، بل تدعمه أيضًا أدلَّة التاريخ المسيحيِّ المبكِّر. كما يقول ديفيد سميث: “كانت الطبيعة غير المتماثلة متعدِّدة الأعراق للكنيسة هي التي أثَّرت على العالم الرومانيِّ المنقسم وأدَّت إلى نموِّ الحركة المسيحيَّة”.[6] بينما التماثل في الكنائس يعزِّز ببساطة الوضع الراهن للمجتمع، فيوضِّح لنا الدليل الكتابيُّ أنَّ الإنجيل قد كسر وتخطَّى الحواجز العرقيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والثقافيَّة بطرق لم يسبق لها مثيل في التاريخ.

العهد الجديد يعارض العرقيَّة

سبب آخر يجعل التماثل يتعارض مع العهد الجديد هو أنَّه يعزِّز ويقوِّي عقليَّة التمركز حول العرق. في جميع أنحاء العهد الجديد، نرى هجومًا على التعصب العرقيِّ، وبالتالي نجد تفويضًا للمؤمنين من خلفيَّات عرقيَّة مختلفة لقبول بعضهم البعض بمحبَّة والعيش معًا في وئام في الكنائس المحلِّيَّة.[7] لم يتزعزع بولس في إصراره على أنَّ اليهود والأمم قد تصالحوا مع الله بدم يسوع المسيح، حتَّى أنَّه في المسيح “لَيْسَ يُونَانِيٌّ وَيَهُودِيٌّ، خِتَانٌ وَغُرْلَةٌ، بَرْبَرِيٌّ سِكِّيثِيٌّ، عَبْدٌ حُرٌّ، بَلِ الْمَسِيحُ الْكُلُّ وَفِي الْكُلِّ.” (كولوسي 3: 11). لقد كسر المسيح “حَائِطَ السِّيَاجِ الْمُتَوَسِّطَ” وصالح اليهود والأمم مع الله “فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ مَعَ اللهِ بِالصَّلِيبِ” (أفسس 2: 14-16). إنَّ المؤمنين هم جزء من خليقة الله الجديدة، لقد كانوا كلُّهم ​​خطاة في آدم، لكنَّهم الآن الخليقة الجديدة في المسيح.

تظهر هذه المسألة بوضوح في غلاطيَّة 2 في مقاومة بولس لبطرس لانفصاله عن الأمم (غلاطيَّة 2: 11-16). كان بطرس مع المؤمنين من اليهود الآخرين في غلاطيَّة يتصرَّفون بخوف بسبب اليهود الذين قد يشعرون بالإهانة إنَّهم تشاركوا مائدة الربِّ مع الأمميِّين. لكنَّ بولس يصرُّ على أنَّ هذا النوع من الانسحاب هو إهانة للإنجيل نفسه (غلاطيَّة 2: 15-21). إنَّ قبول الأمميِّين -أولئك الذين ينتمون إلى مجموعة عرقيَّة مختلفة- كأعضاء في عائلة الله من خلال مشاركة مائدة الربِّ، يأخذ الأولويَّة على الرغبة النفعيَّة لتجنُّب الإساءة للآخرين.

في رسالة رومية أيضًا، يهاجم بولس جذور التعصُّب العرقيِّ. فيؤكِّد بولس الفساد البشريَّ الشامل وقوَّة الإنجيل للخلاص في عمل الله لتبرير كلٍّ من اليهود والأمم في المسيح (رومية 1-3). فالجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله وتمَّ تبريرهم بالنعمة من خلال الإيمان بالمسيح (رومية 3: 21-26). وأصبحوا جميعًا أبناء إبراهيم بالإيمان بالله الذي يبرِّر الفاجر (رومية 4). كلُّ موقف مدان في آدم، وكلُّ شيء مبرَّر في المسيح (رومية 5: 12-21). ويحذِّر بولس كلاًّ من اليهود والأمم من التكبُّر، بل الاعتراف بنعمة الله لكلا الشعبين (رومية 2: 17-29؛ رومية 11: 17-24). تشير الأدلَّة من رسالة رومية إلى أنَّ بولس كان بالتأكيد يكتب إلى جماعة غير متماثلة، وكان يحثُّهم على التخلِّي عن الكبرياء العرقيِّ وعلى العيش معًا في وحدة مسيحيَّة.

لا تقتصر معارضة التعصُّب العرقيِّ على بولس. فهي منتشرة في جميع أنحاء الأناجيل أيضًا. فلقد أساء يسوع إلى الكبرياء العرقيِّ للفرِّيسيِّين من خلال مرافقته للأمميِّين وجباة الضرائب والخطاة. تُعلِّمنا الأناجيل أنَّ المواطنة في ملكوت الله يتمُّ الحصول عليها من خلال الإيمان بالمسيح وليس عن طريق الهويَّة العرقيَّة.7 وتتضمَّن الدعوة إلى التوبة دعوة إلى التوبة من الكبرياء العرقيِّ والعنصريِّ. كما يحدِّدها جون بايبر قائلاً: “إنَّ الإيمان بيسوع يتفوَّق على العرقيَّة”.[8] يقدِّم بايبر عدَّة أمثلة من الأناجيل على هذا الموضوع: مدح إيمان قائد المئة (متَّى 8: 5-13)، قصَّة السامريِّ الصالح (لوقا 10: 33)، شفاء العشرة البرص الذين عاد منهم الأجنبيُّ فقط ليشكر (لوقا 17:16)، وشفاء ابنة الفينيقيَّة السوريَّة (مرقس 7: 26)، وتطهير الهيكل (مرقس 11: 17). من الواضح أنَّ يسوع لم يكن خائفًا من الإساءة إلى كبرياء الفرِّيسيِّين.

والآن، لكي نكون واضحين، فإنَّ مؤيِّدي “مبدأ الوحدة المتماثلة” سيجادلون بأنَّهم لا يريدون تعزيز الكبرياء العرقيِّ للمؤمنين، لكنَّهم يؤكِّدون أنَّ الكنائس المتماثلة أكثر حساسيَّة للثقافة وأنَّها تتوافق مع غير المؤمنين الذين قد يشعرون بعدم الارتياح عند عبور الحواجز الثقافيَّة. بعبارة أخرى، يعتقد دعاة التماثل أنَّه شيء أكثر إستراتيجيَّة أن نزيل الحواجز الثقافيَّة أمام الإنجيل من خلال تأسيس كنائس أحاديَّة العرق وحيدة الثقافة. ومع ذلك، فمن السذاجة والتحلِّي الزائد بالأمل أن نفترض أنَّ الأشرار الذين لديهم نزعة متأصِّلة تجاه التحيُّز العرقيِّ سيتخلَّصون منه دون أن يُدعوا إلى العيش في مجتمع مع أولئك الذين يختلفون عنهم.[9] يشير العهد الجديد إلى أنَّ يسوع والرسل لا يستوعبون مطلقًا النزعة العرقيَّة لغير المؤمنين، ولكن بدلاً من ذلك يتضمَّن العهد الجديد الدعوة إلى التوبة من التعصُّب العرقيِّ والدعوة لاحتضان “الآخرين” كجزء لا يتجزَّأ من رسالة الإنجيل. بينما يؤكِّد “مبدأ الوحدة المتماثلة” السعيَ لكسب الناس من خلال عدم الإساءة إلى حساسيَّتهم المتمركزة حول العرق، فإنَّ نهج يسوع يختلف اختلافًا جذريًّا – فالمسيح يضع الفأس على جذر الكبرياء العرقيِّ.[10]

هل كانت كنائس العهد الجديد “أحاديَّة العرق”؟

قال دونالد ماكجافران، والد حركة نموِّ الكنيسة الذي صاغ “مبدأ الوحدة المتماثلة”، إنَّ “تجمُّعات العهد الجديد كانت أحاديَّة العرق بشكل لافت”.[11] أكَّد ماكجافران أنَّه تحت تأثير الروح القدس، تحرَّك الرسل بين حدود الوحدات المتماثلة، ليصلوا في المقام الأوَّل إلى اليهود كبداية، من أجل تنمية الكنيسة: “طالما أنَّ اليهود يمكن أن يصبحوا مسيحيِّين داخل اليهوديَّة، يمكن للكنيسة أن تنمو بشكل مذهل بين اليهود… وعندما يصبحون مسيحيِّين داخل المجمع، يمكنهم أن يفعلوا ذلك من دون حواجز عرقيَّة وطبقيَّة”.[12]

لذلك بطبيعة الحال، يجب أن نتعامل مع هذا التساؤل في ضوء قراءة أمينة للعهد الجديد. أنا أزعم أنَّ قراءة ماكجافران للأدلَّة منحرفة لأنَّه تغاضى عن الطريقة التي يظهر بها لوقا تاريخ الخلاص كما يتكشَّف بشكل تدريجيٍّ في سفر أعمال الرسل.[13] لم يسترشد الرسل بأيِّ نوع من “مبدأ الوحدة المتماثلة” – وهذا يظهر بوضوح من التنوُّع الثقافيِّ واللغويِّ بين اليهود في يوم الخمسين، والطبيعة غير المتماثلة للجماعات التي نشأت بعد دخول الأمميِّين إلى الكنيسة. يصوِّر لوقا تقدُّم إرساليَّة الكنيسة على طول خطوط الخلاص التاريخيَّة في سفر أعمال الرسل. ما يقصده لوقا هو أنَّ الإنجيل -الذي أعلنه الرسل بدعم من الروح القدس- يتجاوز حدودًا لا يمكن التغلُّب عليها إذ يتمُّ إعادة تكوين شعب الله حول المسيح المقام من بين الأموات. وهكذا، فلقد استخدم دونالد ماكجافران وحركة نموِّ الكنيسة قراءة معيبة للكتاب المقدَّس لدعم التماثل، من خلال فرض إطار نفعيٍّ مسبَّق على النصِّ.

الخلاصة

يشير النموذج الرسوليُّ للكنيسة في العهد الجديد إلى أنَّه، حيثما أمكن، لا ينبغي إنشاء الكنائس أو تقسيمها على أساس العرق أو الثقافة أو الطبقة أو العمر أو أيِّ مجموعة متآلفة. في بعض الحالات، قد تتطلَّب الاختلافات في اللغة فصل الكنائس. ولكن حتَّى في هذه الحالات، إن كانت هناك لغة مشتركة يمكن للناس التواصل من خلالها، فقد لا تتطلَّب الاختلافات اللغويَّة الانفصال.

يظهر مجد المسيح بشكل أكثر وضوحًا عندما يلاحظ من هم في الخارج المحبَّةَ المتبادلة والمتعدِّدة الثقافات والوحدة التي يشترك فيها المؤمنون الذين من خلفيَّات مختلفة مع بعضهم البعض. لا ينبغي أن تقودنا الرغبة النفعيَّة في نموِّ وتكاثر الكنائس بسرعة إلى المساومة على الوحدة التي اشتراها المسيح بدمه. يقول رينيه باديلا:

قد يكون صحيحًا أنَّ “الأفراد يحبُّون أن يصبحوا مؤمنين مسيحيِّين دون تجاوز الحواجز العرقيَّة أو اللغويَّة أو الطبقيَّة” ولكنَّ هذا شيء عرضيٌّ. إنَّ العضويَّة في جسد المسيح ليست مسألة إعجاب أو عدم إعجاب، ولكنَّها مسألة الاندماج في الخليقة الجديدة تحت سيادة المسيح. سواء أحبَّ ذلك الشخص هذا أم لا، فإنَّ نفس الفعل الذي يصالح المرء مع الله يُدخل الشخص في نفس الوقت إلى مجتمع يجد فيه الناس هويَّتهم في يسوع المسيح بدلاً من العرق أو الثقافة أو الطبقة الاجتماعيَّة أو الجنس، وبالتالي يتمُّ التصالح معهم.[14]

هل أنا ضدُّ النموِّ السريع والمتضاعف؟ هذا لا معنى له! أنا أيضًا أرغب بشدَّة في رؤية مجموعات متعدِّدة من الناس تصل إلى المسيح. لكنِّي أطلب من خدَّام الإنجيل أن يضعوا في اعتبارهم أنَّ العهد الجديد لا يأمرنا أن نفصل الكنائس بناءً على مجموعات الناس. وكما رأينا، تشير أدلَّة الكتاب المقدَّس إلى الاتِّجاه المعاكس تمامًا –إذ يتمُّ إحضار أشخاص من قبائل وألسنة وأمم مختلفة إلى شعب الله الواحد ليعبدوا الله معًا في شركة وانسجام كمملكة كهنة لإلهنا. أتمنَّى أن تستمرَّ الكنيسة في أمريكا في العمل من أجل المصالحة العرقيَّة، حيث نتعلَّم أن ندرك أنَّه في المسيح لا يوجد “زنجيٌّ” أو “عضو من Ku Klux Klansman”. وبالمثل، قد ندرك أنَّه في المسيح، لا يوجد “براهميٌّ” أو “داليتيٌّ” أو “توتسيٌّ” أو “هوتو”. لعلَّ وحدتنا تنعكس في التراكيب الديموغرافيَّة لجماعاتنا كعرض لحكمة الله المتنوِّعة، الذي صالحنا لنفسه من خلال صليب ربِّنا يسوع المسيح (أفسس 3: 10). حتَّى ينال المجد والشرف اللذين يستحقُّهما!


[1] تتضمَّن هذه المقالة العديد من المقتطفات المحرَّرة والمعدَّلة من مقال الكاتب القادم:

“Caste and Church Growth: An Assessment of Donald McGavran’s Church Growth Principles from An Indian Perspective,” The Southern Baptist Journal of Missions and Evangelism (forthcoming).

[2] Donald A. McGavran, Understanding Church Growth (Grand Rapids, MI: Eerdmans, 1970), 190–211.

[3] بالطبع، أنا لا أشير إلى الحالات أحاديَّة العرق، مثل المناطق الريفيَّة أو حتَّى الضواحي الأمريكيَّة، حيث التركيبة السكَّانيَّة في الغالب من ثقافة/عرق واحد، وبالتالي فإنَّ الكنائس الأحاديَّة العرق أمر لا مفرَّ منه. أنا أشير على وجه التحديد إلى الحالات التي يتمُّ فيها تمثيل أكثر من ثقافة/عرق. ومع ذلك، فإنَّه حتَّى في الحالات أحاديَّة العرق، لا أعتقد أنَّه يجب إنشاء الكنائس على أسس متماثلة تتعلَّق بالطبقة أو العمر أو التقارب.

[4] انظر الانتقادات الحادَّة والدحض الشامل لمبدأ الوحدة المتماثلة لماكجافران من قبل عالم اللاهوت الأمريكيِّ اللاتينيِّ:

René Padilla, “The Unity of the Church and the Homogeneous Unit Principle,” International Bulletin of Missionary Research 6 (1981): 23–30.

يعود الكثير من نقاشي هنا إلى فحص باديلا المقنع والمتعمِّق للأدلَّة الكتابيَّة.

[5] David Smith, “The Church Growth Principles of Donald McGavran,” Transformation 2 (1985): 27.

[6] المرجع السابق، 28. راجع:

Michael Green, Evangelism in the Early Church, rev ed. (Grand Rapids, MI: William B. Eerdmans, 2004).

[7] كان التركيز المتجدِّد على جدال العهد الجديد ضدَّ التعصُّب العرقيِّ أحد المساهمات المفيدة (على الرغم من المشكلات الأخرى) لما يسمَّى بـ “منظور جديد لبولس”. انظر على سبيل المثال:

N. T. Wright, Paul and the Faithfulness of God, vol. 2 (Minneapolis: Fortress Press, 2013), 774–1038.

[8] انظر مناقشة جون بايبر الممتازة في Bloodlines، 27-115.

[9] المرجع السابق، 118.

[10] للأسف هذا هو ما تؤكِّده تجربتي الخاصَّة مع العديد من الجماعات أحاديَّة العرق حول العالم، فضلاً عن التجارب المؤلمة للأصدقاء في عمل الخدمة الرعويَّة في الهند. على سبيل المثال، في انتهاك مباشر لكورنثوس الثانية 6: 14-18، يفضِّل الناس الزواج من غير المؤمنين من نفس المجموعة العرقيَّة/الطبقيَّة على الزواج من المؤمنين من مجموعات عرقيَّة أخرى. في بعض الأحيان، عندما يحبُّ اثنان من المؤمنين بعضهما البعض ويرغبان في الزواج متجاوزين لخطوط طائفيَّة أو عرقيَّة، يرفع التحيُّز العرقيُّ رأسه القبيح إذ ترفض عائلاتهما المسيحيَّة المزعومة مثل هذا الزواج المختلط. على ما يبدو، فإنَّ “مبدأ الوحدة المتماثلة” قد قوَّى وعزَّز التحيُّز العرقيَّ الخاطئ داخل شعب يدَّعي معرفة المسيح.

[11] يجادل بعض مؤيِّدي التماثل بأنَّه لا ينبغي إجراء مقارنة بين الانقسام اليهوديِّ والأمميِّ والانقسامات العرقيَّة واللغويَّة والثقافيَّة الحديثة على أساس أربعة اعتبارات: (1) أنَّ “اليهوديَّ” و”الأمميَّ” ليسا مصطلحين عرقيَّين في الأساس. (2) كان الانقسام بين اليهود والأمم متجذِّرًا في الناموس، على عكس التقسيمات العرقيَّة الحديثة؛ (3) المسافة الثقافيَّة بين اليهود والأمم في العهد الجديد لم تكن كبيرة مثل المسافة الثقافيَّة بين الأعراق اليوم، (4) كافح اليهود لقبول خلاص الأمم، وهذا ليس هو الحال في المشهد المسيحيِّ اليوم. ريتشارد دبليو هارديسون، “نقد لاهوتيٌّ لحركة الكنيسة متعدِّدة الأعراق: 2000-2013″، (مناقشة دكتوراه، كليَّة اللاهوت المعمدانيَّة الجنوبيَّة، 2014)، 117. أوَّلاً، صحيح أنَّ “اليهوديَّ” و”الأمميَّ” لم تكن تقسيمات عرقيَّة في الأساس، ولكنَّها في المقام الأوَّل اختلافات دينيَّة متجذِّرة في ميثاق الناموس. ومع ذلك، كان العداء بين اليهود والأمم أكثر من مجرَّد عداء دينيٍّ. فلقد امتدَّ إلى الثقافة واللغة والعرق. إنَّ الفكرة القائلة بأنَّ اليهود والأمم لا يتشاركون مسافة ثقافيَّة كبيرة هي ببساطة غير صحيحة، كما يشير أيُّ مسح للأدب من الهيكل الثاني اليهوديِّ. أخيرًا، صحيح أنَّ اليهود كافحوا لقبول خلاص الأمم، وهذا ليس هو الحال اليوم، لكنَّ النزعة العرقيَّة لليهود تتوازى مع النزعة العرقيَّة لجميع البشر في جميع الأوقات، وذلك ببساطة لأنَّنا أناس ساقطون يكافحون من أجل القبول والعيش في المجتمع مع أولئك الذين لا يشبهوننا. لذلك، على الرغم من وجود بعض نقاط الاختلاف بين الانقسام اليهوديِّ والأمميِّ والانقسامات العرقيَّة الثقافيَّة الحديثة، فإنَّه توجد نقاط متواصلة كافية لتبرير المقارنة. علاوةً على ذلك، يوسع العهد الجديد الدعوة إلى الوحدة إلى ما هو أبعد من “اليهوديِّ” و”الأمميِّ” ليشمل فئات مثل “البربريِّ” و”السكيثيِّ”، وهي فئات عرقيَّة لغويَّة (كولوسي 3: 11). وفي العهد الجديد، تتفوَّق الوحدة في المسيح على كلِّ قضايا الهويَّة الأخرى، والدعوة لاحتضان “الآخر” تشمل جميع فئات “الآخر”، وتتصوَّر في هيئة الحياة معًا في الكنيسة المحلِّيَّة.

[12] Donald A. McGavran, “The Priority of Ethnicity,” Evangelical Missions Quarterly 19 (1983): 15.

[13] Donald A. McGavran, Understanding Church Growth (Grand Rapids, MI: Eerdmans, 1970), 202.

[14] كما يقول باديلا “ما سجَّله لوقا لا يدعم الأطروحة القائلة بأنَّ الرسل ارتكنوا إلى تعزيز تكوين ‘تجمُّعات من جنس واحد’ وتسامحوا مع التحيُّزات اليهوديَّة ضدَّ الأمميِّين من أجل النموِّ العدديِّ للكنيسة. فمن أجل الادِّعاء بذلك، يحتاج المرء أن يأتي إلى الكتاب المقدَّس مع فكرة مسبَّقة (1) أنَّ الرسل شاركوا النظريَّة الحديثة القائلة بأنَّ التحيُّز العنصريَّ ‘يمكن ويجب أن يكون مساعدة لتحويل الناس للمسيحيَّة’، و(2) أنَّ تضاعف الكنيسة يتطلَّب دائمًا تعديلاً لمبدأ الوحدة المتماثلة. من دون هذا الافتراض غير المبرَّر، بالكاد يمكن للمرء أن يفوت النقطة التي أشار إليها سفر أعمال الرسل بأنَّ توسيع الإنجيل إلى الأمم كان خطوة صعبة لكنيسة أورشليم لم تتمَّ إلاَّ بمساعدة الرؤى والأوامر (أعمال الرسل 8: 26 وما يليها؛ 10: 1-16) أو تحت ضغط الاضطهاد (أعمال الرسل 8: 1 وما يليها؛ 11: 19-20). لم يتمَّ تقديم أيِّ اقتراح بأنَّ المسيحيِّين اليهود قد بشَّروا بالإنجيل ‘للا أحد باستثناء اليهود’ بسبب اعتبارات استراتيجيَّة“. باديلا، “وحدة الكنيسة” ،25.

المزيد المتعلق بـ : مقالات