العيش معًا

كيف يصنع العشاء الربَّانيُّ كنيسة محلِّيَّة

مقالة
11.27.2022

متى يتزوَّج شخصان فعلاً؟ هل عندما يقولان “نعم أقبل”؟ متى يعلنهما القسُّ زوجًا وزوجةً؟ متى يُتمِّمان الزواج؟

يوجد شعور بأنَّ كلَّ لحظة من تلك اللحظات ضروريَّة لتكوين الزواج. لكنَّ كلَّ واحدة منها تعتمد أيضًا على الباقي. لهذا السبب، على سبيل المثال، إذا لم يكتمل الزواج مطلقًا، فيوجد شعور بأنَّ الزوجين لم يتزوَّجا بالكامل بعد. وهذا التمييز له وزن قانونيٌّ. فقطع هذا الرابط يُعدُّ إبطالًا وليس طلاقًا.

ما علاقة كلِّ هذا بالعشاء الربَّانيِّ؟ يبدو لي أنَّ عديدًا من المسيحيِّين يفكِّرون في العشاء الربَّانيِّ على أنَّه تكريس خاصٌّ مكثَّف. أنا أذهب إلى الكنيسة، وأستمع إلى الكلمة، وآكل الخبز وأشرب الكأس، وأتذكَّر موت المسيح وغفران خطاياي، وأعود إلى المنزل. بالطبع، إنَّنا نربط أيضًا العشاء الربَّانيَّ بالكنيسة، على الأقلِّ بمعنى أنَّه شيء نفعله عندما “نذهب إلى الكنيسة”. ومع ذلك، فبالنسبة لمعظم المسيحيِّين، هذا هو أبعد ما يذهبون إليه عندما يتعلَّق الأمر بتناول العشاء الربَّانيِّ والكنيسة المحلِّيَّة.

لكنَّني أريد أن أناقش فكرة أنَّ العشاء الربَّانيَّ يلعب في الواقع دورًا حاسمًا في تجميع الكنيسة معًا. يُعَدُّ الاحتفال معًا بالعشاء الربَّانيِّ خطوة أساسيَّة في جعل الكنيسة كنيسة. فبمعنى بالغ الأهمِّيَّة، العشاء الربَّانيُّ هو اللحظة التي تصبح فيها مجموعة من المسيحيِّين جسدًا واحدًا. عشاء الربِّ يجعل كثيرين واحدًا.

وأنا أركِّز على هذه الفكرة لسببين. أوَّلاً، إنَّه تمَّ إهمالها على نطاق واسع بين المسيحيِّين الإنجيليِّين. أعتقد أنَّ بولس يعلِّم بوضوح أنَّ العشاء الربَّانيَّ يربط كثيرين ليكونوا واحدًا، كما سنرى بعد قليل. ولكن يبدو أنَّ عددًا قليلاً جدًّا من القسوس والكنائس فهموا وجهة نظر بولس وسمحوا لها بتشكيل وجهات نظرهم بخصوص عشاء الربِّ والكنيسة. ثانيًا، هذه النقطة عن كيفيَّة تشكيل العشاء الربَّانيِّ للكنيسة المحلِّيَّة أمر بالغ الأهمِّيَّة لعديد من الأسئلة العمليَّة التي سيواجهها الرعاة والكنيسة: من يمكنه المشاركة في العشاء الربَّانيِّ؟ ومن الذي يجب أن يقوده؟ ما هي التجمُّعات المسموح فيها بالاحتفال به؟

ولكي نفكِّر في كيفيَّة الاحتفال بالعشاء الربَّانيِّ بطريقة حكيمة، نحتاج إلى تثبيت العدسة الكتابيَّة بقوَّة أمام أعيُننا.

كيف يجعل العشاء الربَّانيُّ كثيرين واحدًا

دعونا نتذكَّر كلمات بولس في 1 كورنثوس 10: 16-17: “كَأْسُ الْبَرَكَةِ الَّتِي نُبَارِكُهَا، أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ دَمِ الْمَسِيحِ؟ الْخُبْزُ الَّذِي نَكْسِرُهُ، أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ جَسَدِ الْمَسِيحِ؟” يُذكِّر بولس أهل كورنثوس أنَّ أكل الخبز وشرب الكأس هو التمتُّع بالشركة مع المسيح، لنختبر بركات موته.

من هذه الشركة “الرأسيَّة” بين المسيح والمؤمنين، يصل بولس بعد ذلك إلى نتيجة “أفقيَّة” في الآية 17: “فَإِنَّنَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ خُبْزٌ وَاحِدٌ، جَسَدٌ وَاحِدٌ، لأَنَّنَا جَمِيعَنَا نَشْتَرِكُ فِي الْخُبْزِ الْوَاحِدِ”. إنَّ ادِّعاء بولس المركزيَّ في هذه الآية هو أنَّنا نحن الكثيرين جسد واحد. وهو يؤيِّد هذا التأكيد مرَّتين ويدعمه بالإشارة إلى مشاركتنا في العشاء الربَّانيِّ: “خُبْزٌ وَاحِدٌ… لأَنَّنَا جَمِيعَنَا نَشْتَرِكُ فِي الْخُبْزِ الْوَاحِدِ”. إنَّ حقيقة أنَّ بولس يكرِّر سببه مرَّتين تتعارض مع رؤية الخبز على أنَّه مجرَّد تمثيل أو تصوير لوحدة الكنيسة. بدلاً من ذلك، يؤسِّس بولس وحدة الكنيسة في احتفالها بالعشاء الربَّانيِّ. إذ يوجد جسد واحد لأنَّه يوجد خبز واحد.

يقول بولس إنَّ العشاء الربَّانيَّ يجعل كثيرين واحدًا. إنَّ العشاء الربَّانيَّ يجمعنا “نحن الكثيرين” ويجعلنا جسدًا واحدًا. بعبارة أخرى، يشكِّل العشاء الربَّانيُّ كنيسة محلِّيَّة. بالطبع، لا تتعلَّق وجهة نظر بولس بآليات الخبز والطعام، كما لو أنَّ الكنيسة الكبيرة التي تحتاج إلى أكثر من رغيف واحد للاحتفال بالعشاء الربَّانيِّ لم تعد كنيسة واحدة بل كنائس عديدة. بدلاً من ذلك، يستخدم بولس “خبزًا واحدًا” كاختصار للاحتفال الجماعيِّ الشامل للكنيسة بعشاء الربِّ. إنَّ وجهة نظر بولس هي أنَّنا في العشاء الربَّانيِّ نتشارك جميعًا في الشركة مع المسيح معًا، فإنَّ وحدتنا في المسيح تخلق الجسد الموحَّد للكنيسة.

بعبارة أخرى، إنَّ العشاء الربَّانيَّ هو علامة تجديد العهد الجديد. ففي العشاء الربَّانيِّ، نجدِّد التزامنا تجاه المسيح وتجاه بعضنا البعض. وهذا الالتزام المزدوج هو الذي يجعل الكنيسة كنيسة.

الكنيسة المحلِّيَّة في خطوتين

يخلق الله كنيسة محلِّيَّة على خطوتين. في الخطوة الأولى يخلق المؤمنين. كيف؟ يرسل الوعَّاظ الذين يعلنون المسيح (رومية 10: 14-17). يرسل روحه لتمكين بعض الذين يسمعون الكلمة أن يقبلوا ويعترفوا بالمسيح (1 كورنثوس 12: 3). إنَّه يجعل كلمته فعَّالة في حياتهم، مانحًا إيَّاهم حياة جديدة في المسيح (يعقوب 1:18). يخلق الله كنيسته بإرسال كلمته وإرسال روحه لجعل كلمته فعَّالة. لقد خلق الله شعب الإنجيل، أناسًا نالوا الخلاص من خلال الثقة بالمسيح. هذه هي الخطوة الأولى.

عندما يأتي الناس إلى المسيح، يصبحون أعضاءً في كنيسته الجامعة (أي جسده). فيكونون –روحيًّا- واحدًا معه. ولكن من أجل إنشاء كنيسة، يجب على الناس أن يأتوا ليس فقط إلى المسيح ولكن أيضًا بعضهم إلى بعض. يجب أن يجتمعوا معًا، وهذا التجمُّع يتطلَّب التزامًا. لا تظهر الكنيسة المحلِّيَّة تلقائيًّا عندما يكون اثنان أو أكثر من المؤمنين في نفس المدينة أو نفس الغرفة. وإلاَّ فإنَّني كلَّما قابلت مؤمنًا في محلِّ البقالة، ستظهر كنيسة جديدة وسوف تنحلُّ بمجرَّد أن أذهب إلى ممرٍّ آخر. الكنيسة هي أكثر من مجرَّد “مؤمنين” بصيغة الجمع. إنَّها أكثر من مجموع أجزائها. يجب أن يوجد شيء يربط الناس بعضهم ببعض.

شعب الإنجيل ونظام حكم الإنجيل

لذلك من أجل إنشاء كنيسة، يجب على شعب الإنجيل تشكيل نظام حكم بالإنجيل. تُولَد الكنيسة عندما يلتزم المسيحيُّون بأن يكونوا كنيسة معًا. هذه هي الخطوة الثانية. فكِّر مجدَّدًا في مثال الزواج. يولد الزواج عندما يلتزم الرجل والمرأة بالزواج. والعهود تخلق الزواج. وبالمثل، تولد الكنيسة عندما يلتزم مجموعة من المؤمنين بعضهم ببعض للقيام بكلِّ ما أمر يسوع كنائسه أن تفعله معًا: يجتمعون للعبادة، ويبنون بعضهم بعضًا في المحبَّة، ويحملون بعضهم أعباء بعضٍ، ويحتفلون بالمعموديَّة وعشاء الربِّ معًا.

لا يزال كلُّ هذا من عمل الله، لأنَّ عمل خلاصه وتمكينه هو الذي يمكِّننا من الاستجابة الحقيقيَّة للإنجيل، بما في ذلك الاستجابة الحقيقيَّة للالتزام تجاه بعضنا البعض. إنَّ عمل الله وعملنا ليسا في منافسة. يمكننا أن نجتمع معًا كمؤمنين لأنَّ الله جعلنا أوَّلاً مؤمنين. يخلق الله كنيسة من خلال خلق المؤمنين، ومن خلال تمكين هؤلاء المؤمنين من الالتزام تجاه بعضهم البعض.

المعموديَّة والعشاء الربَّانيُّ

ولكن كيف بالضبط يقوم مجموعة من المؤمنين بتنفيذ هذا الالتزام؟ تلعب فريضتا المعموديَّة والعشاء الربَّانيِّ دورًا حاسمًا. في المعموديَّة، نلتزم علانيةً بالمسيح وبشعبه. المعموديَّة هي المكان الذي يُعلَن فيه الإيمان للجموع. إنَّها الطريقة التي يظهر بها المؤمن الجديد أمام العالم والكنيسة كمؤمن. وبعبارة أخرى، فإنَّ المعموديَّة تميِّز المؤمن عن العالم. ففي المعموديَّة تقول الكنيسة للعالم “هذا مِلكٌ ليسوع!”

وفي العشاء الربَّانيِّ، نجدِّد التزامنا تجاه المسيح وشعبه. ولكنَّ المميَّز عن المعموديَّة هو أنَّ العشاء الربَّانيَّ شيء نقوم به جميعًا معًا. يميِّز العشاء الربَّانيُّ مجموعة كاملة من المؤمنين كجسد واحد، ويرسم خطًّا بينهم وبين العالم من حولهم. ومن خلال رسم خطٍّ بين الكنيسة والعالم، ترسم المعموديَّة والعشاء الربَّانيُّ خطًّا حول الكنيسة. تتيح ممارسة هذه الفرائض الإشارة إلى شيء ما وقول “كنيسة” بدلاً من الإشارة إلى أشياء كثيرة وقول “مؤمنين”.

تخيَّل أنَّ مؤمنًا يذهب إلى مدينة جديدة، ويكرز بالإنجيل، ويأتي مجموعة من الناس إلى المسيح في نفس الوقت تقريبًا. فيعمِّد هذا المؤمن الجديد كلَّ واحد منهم. كيف ومتى ستصبح هذه المجموعة من المؤمنين المُعمَّدين كنيسة؟ أقترح الإجابة الأساسيَّة والأكثر أهمِّيَّة: عندما يحتفلون معًا بالعشاء الربَّانيِّ. تذكَّر أنَّ الاحتفال بالعشاء الربَّانيِّ يعبِّر عن التزامنا تجاه المسيح وتجاه بعضنا البعض. إنَّ الحصول على بركات المسيح في العشاء الربَّانيِّ هو أن تقبل شعب المسيح كإخوة وأخوات. وفي العشاء الربَّانيِّ نفسه، نلتزم بعضنا تجاه بعض وذلك يأخذنا عبر الخطِّ الفاصل بين “مجموعة من المسيحيِّين” و”كنيسة محلِّيَّة”. في العشاء الربَّانيِّ نفسه نجتمع معًا كجسد واحد. كما يقول بولس: “فَإِنَّنَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ خُبْزٌ وَاحِدٌ، جَسَدٌ وَاحِدٌ، لأَنَّنَا جَمِيعَنَا نَشْتَرِكُ فِي الْخُبْزِ الْوَاحِدِ” (1 كورنثوس 10 :17).

بدافع الحذر، أعتقد أنَّه من الحكمة بشكل عامٍّ أن توضِّح الكنائس ما تفعله من خلال تعهُّد شفهيٍّ يقدِّمه الأعضاء بعضهم لبعض عند تشكيل الكنيسة لأوَّل مرَّة. ففي التقاليد المجمعيَّة والمعمدانيَّة، يُطلق على هذا غالبًا “عهد الكنيسة”، وفي بعض الأحيان تتلو الكنيسة بأكملها هذا العهد في كلِّ مرَّة يحتفلون فيها بالعشاء الربَّانيِّ. أعتقد أنَّ هذه ممارسة رائعة. لكنَّ الأمر ليس أنَّ التزامنا الشفهيَّ هو الذي يخلق الكنيسة بصرف النظر عن مشاركتنا المتَّصلة في العشاء الربَّانيِّ. لكنَّ الالتزام اللفظيَّ الصريح لعهد الكنيسة يوضِّح ببساطة ما هو ضمنيٌّ في العشاء الربَّانيِّ. إذ يساعد عهد الكنيسة الشفهيُّ في فهمنا، ويذكِّرنا بما نفعله بالتحديد عندما نتناول الخبز والكأس معًا.

مرَّة أخرى، أعتقد أنَّ بداية الكنيسة تشبه إلى حدٍّ ما بداية الزواج. التشبيه غير كامل، كما هو حال جميع التشبيهات، لكنَّه يأخذنا إلى ما هو أعمق قليلاً. يُولَد الزواج عندما يعلن رجل وامرأة عهودهما، ويعلن القسُّ أو مسؤول قانونيٌّ آخر أنَّهما متزوِّجان، ويدخل الزوجان زواجهما. إنَّ عهد “نعم أقبل” هو بداية العلاقة الجديدة، لكن تلك العلاقة الجديدة لا تتأكَّد حتَّى يختم الزوج والزوجة اتِّحادهما جسديًّا.

وبالمثل، فإنَّ تجمُّع المؤمنين لا يكوِّن كنيسةً محلِّيَّةً حتَّى يختموا اتِّحادهم بعضهم مع بعض من خلال العشاء الربَّانيِّ. إذا لم تحتفل مجموعة من المؤمنين الذين أرادوا أن يكونوا كنيسة بعشاء الربِّ معًا، فلن يكونوا بذلك يخالفون وصيَّة يسوع فقط، ولكن سيكون هناك شعور حقيقيٌّ بأنَّهم لم يصبحوا كنيسة بعد. يُكمل العشاء الربَّانيُّ الالتزام الذي يصبح المؤمنون من خلاله كنيسة.

كيف يصنع العشاء الربَّانيُّ كنيسة محلِّيَّة؟ جنبًا إلى جنب مع المعموديَّة، فإنَّ العشاء الربَّانيَّ هو كيف يشكِّل شعب الإنجيل نظام حكم للإنجيل. العشاء الربَّانيُّ هو كيف يجتمع المؤمنون، ويلتزمون بعضهم ببعض، ويعبرون الخطَّ من “كثيرين” إلى “واحد”. ففي العشاء الربَّانيِّ، تخلق شركتنا مع المسيح شركة مع بعضنا البعض. عشاء الربِّ يجعل كثيرين واحدًا.

بساطة رائعة

توجد بساطة رائعة في تصميم الله للكنيسة. ما الذي يتطلَّبه بناء الكنيسة؟ الكرازة بالإنجيل التي تخلق شعب الإنجيل الذين يشاركون في فرائض الإنجيل. إنَّ الكنيسة هي الشكل الذي فيه كلٌّ من الإنجيل وفرائضه يشكِّلان شعب الله. فالمعموديَّة تربط الفرد بكثيرين، والعشاء الربَّانيُّ يربط كثيرين في واحد.

تنقش المعموديَّة والعشاء الربَّانيُّ الإنجيل في شكل الكنيسة وبنيتها. ممَّا يجعل كثيرين واحدًا، وهذه هي علامات الإنجيل. عندما يجتمع المؤمنون لتشكيل كنيسة، فإنَّهم لا يتخطَّون الإنجيل بل يتعمَّقون فيه.

* * * * *

ملاحظة المحرِّر: تمَّ اقتباس هذه المقالة من الكتاب الجديد “فهم العشاء الربَّاني” (Understanding the Lord’s Supper) لبوبي جاميسون، من سلسلة أساسيَّات الكنيسة. أُعيد طبعها بإذنٍ من B&H.

المزيد المتعلق بـ : مقالات