العيش معًا

خمسة أسباب لعدم قيامنا بالتلمذة (الجزء الثاني)

مقالة
05.25.2022

تطرقنا في المرة السابقة الى السبب الكتابي للتلمذة، وطرحنا سؤالًا “لماذا لا نطيع وصية الرب؟” وأشرت إلى أن “النعمة الرخيصة” هي أحد الأسباب الرئيسية.

فيما يلي سببان آخران على عدم قيامنا بالتلمذة:

أولًا: تسعى كنائسنا بِجِدٍ لضم غير المؤمنين، لكنها لا تبالي بالمؤمنين الأعضاء

لم تقم أي كنيسة بأبحاث وتطوير خدمات ضم أعضاء غير مؤمنين أكثر من كنيسة ويلو كريك (Willow Creek) في شيكاغو، التي بدأت منذ ثلاثين عامًا مضت بتصميم خدماتها خصيصًا لضم أعضاء غير مؤمنين.

لكن في 2008، أصدرت نتائج مسح، دام لأربع سنوات، عن كم كانت الكنيسة فعَّالةً في إتمام دعوة الرب يسوع لتلمذة آخرين (مت 28: 19). فكانت المحصلة النهائية بعد ثلاثة عقود، أنهم احتاجوا للتحوُّل من خدمات ضم غير المؤمنين إلى الخدمات التي تركز على تمكين المؤمنين من النمو في إيمانهم؛ بكلماتٍ أخرى، التحول من خدمات ضم غير المؤمنين إلى خدمات لنمو المؤمنين.

ما أدركته كنيسة ويلو كريك بالطريقة الصعبة هو أننا لا نقدر أن نخدم سيدين. إذا كان تركيزنا دائمًا على محاولة إرضاء طالبي الانضمام من غير المؤمنين، فلن نُقِيم تلاميذًا، وسيقتصر طعامنا ككنيسة على اللبن، بل سيتوقَّف نموُّنا لأنَّنا لن نتغذَّى على طعامٍ قويٍّ أبدًا.

يوبخ كاتب العبرانيين هؤلاء المؤمنين الذين لم يتخطوا “أركان بَداءَةِ أقوالِ اللهِ” قائلًا:

“لأنَّكُمْ- إذْ كانَ يَنبَغي أنْ تكونوا مُعَلِّمينَ لسَبَبِ طول الزَّمانِ- تحتاجونَ أنْ يُعَلِّمَكُمْ أحَدٌ ما هي أركانُ بَداءَةِ أقوالِ اللهِ، وصِرتُمْ مُحتاجينَ إلَى اللَّبَنِ، لا إلَى طَعامٍ قَويٍّ. لأنَّ كُلَّ مَنْ يتَناوَلُ اللَّبَنَ هو عَديمُ الخِبرَةِ في كلامِ البِرِّ لأنَّهُ طِفلٌ، وأمّا الطَّعامُ القَويُّ فللبالِغينَ، الّذينَ بسَبَبِ التَّمَرُّنِ قد صارَتْ لهُمُ الحَواسُّ مُدَرَّبَةً علَى التَّمييزِ بَينَ الخَيرِ والشَّرِّ” (عب 5: 12-14).

لكي أكون واضحًا، أنا لا أدعو إلى إلغاء الخدمات غير الدورية التي تركز على من هم خارج الكنيسة مثل حفلات التسبيح، بل إذا كان هذا هو نهجنا العام كل أسبوع، فلن يسمع المؤمنون عن أمور الله العميقة وستظل تلمذتهم ضحلةً؛ ونتيجة لذلك لن يكونوا قادرين عمليًّا على تلمذة آخرين.

لا يجب أن نخشى من تحوُّل كنائسنا إلى خدمات لنمو المؤمنين، على أنها لن تخاطب غير المؤمنين بعد ذلك. سنظل في جميع الأحوال نكرز بالإنجيل الذي يحافظ على المؤمنين وينمِّيهم وهو ذاته الذي بدأنا به.

نتيجةً لذلك، ولمنفعة المؤمنين وغير المؤمنين على حدٍّ سواء، علينا أن نعظ الإنجيل أسبوعيًّا وفي كل خدمة مهما كان المقطع الكتابي. قال الرب يسوع عن الكتاب المقدس كله إنه يشهد له (يو 5: 39)، حتى لو تطرقنا إلى سفر اللاويين، دعونا نعظه بالأسلوب نفسه الذي استخدمه الرب يسوع: بالإشارة إلى الفداء الذي في شخصه.

بطبيعة الحال، إذا كنا مُركزين على إرضاء غير المؤمنين الراغبين في الانضمام لكنيستنا، فالاحتمالية الأكبر هي أننا لن نعظ من سفر اللاويين أبدًا، أو من أي مقطع آخر من الكتاب المقدس نعتقد أنه من الممكن أن يفزع المطمئنين. هذا ليس حسنًا. فكما يذكرنا )2تي 3: 16-17): “كُلُّ الكِتابِ هو موحًى بهِ مِنَ اللهِ، ونافِعٌ للتَّعليمِ والتَّوْبيخِ، للتَّقويمِ والتّأديبِ الّذي في البِرِّ، لكَيْ يكونَ إنسانُ اللهِ كامِلًا، مُتأهِّبًا لكُلِّ عَمَلٍ صالِحٍ”.

بعبارة أخرى، نحن بحاجةٍ إلى كل الكتاب المقدس لتلمذة آخرين. وإذا أهملنا أجزاء معينة منه لأننا قلقون من أننا سننفر غير المؤمنين فيبعدوا، ستتدهور كفاءة عملية التلمذة بحدَّة.

ثانيًا: قلة أعداد المؤمنين في كنائسنا

أي أن أعداد المؤمنين في كنائسنا قليلة، وبالتالي فإن عددًا أقل منهم قادر على تلمذة الآخرين. مما لا شك فيه أن أسباب ذلك مُعقَّدة، ولكن اسمحوا لي أن أشير إلى سببين منهم:

1- يجب أن تكون مؤمنًا حتى تعترف الكنيسة بك كعضو في جسد المسيح. هذا هو افتراض العهد الجديد

لكن في هذه الأيام، في العديد من الكنائس، بما في ذلك بعض الكنائس الإنجيلية الكبيرة والمعروفة، يمكنك أن تكون عضوًا بمجرد أن تضع علامة على مربع بطاقة ترحيب. لا تحاول الكنيسة اختبار الحالة الروحية للشخص من أجل التأكد من كونه تابعًا حقيقيًّا للمسيح. كيف نقدر أن نتوقع من أشخاصٍ ليسوا  تلاميذ أن يتلمذوا آخرين؟!

2- لم نعد نمارس التأديب الكنسي

 كان هذا التقليد معتادًا في كنيسة العهد الجديد، أو على الأقل كنيسة العهد الجديد المطيعة. على سبيل المثال يقول بولس في (1كو 5) إن علينا أن نعزل الخطاة غير التائبين من عضوية الكنيسة.

عدم طاعتنا لوصية بولس هنا هو أمر مميت روحيًا، ويُنتج أعضاء ليسوا تلاميذًا. أَجَلْ، قد يُظهِرون علاماتٍ تعارض المسيح بشدة، ويكونون عارًا على الرب وإنجيله. مرة أخرى، لا يمكننا أن نتوقع من أشخاصٍ ليسوا تلاميذ أن يتلمذوا آخرين.

لماذا أهملنا هذين الأمرين؟

أعتقد أن ذلك حدث لعدة أسباب، لكنِّي سأذكر الأسباب الأكثر أهمية: الأعداد أصبحت في غاية الأهمية لنا، حتى إننا نفعل أي شيء لزيادتها، فنستميت بأن نجعل الناس يدخلون الكنيسة ويظلون بها. لقد أبخسنا بثمن التكلفة، على أمل أن يشتريها المزيد من الناس.

ماذا يحدث عندما نستهين بعضوية الكنيسة والتأديب الكنسي الكتابيين؟ ينتهي بنا المطاف إلى أن تصبح ثقافة الكنيسة غير مسيحيةٍ على نحو متزايد، وليست ملحًا أو نورًا. وهكذا تصبح ثقافة التلمذة مستحيلةً بكنائسنا عندما لا يكون الكثير من أعضاء كنائسنا تلاميذًا، كما أن تأثير هؤلاء الأعضاء غير المتتلمذين على الأعضاء الذين يسعون بأمانة لاتِّباع المسيح لن يكون هيِّنًا.

 بمعنى آخر (سأستعير تشبيه مارك ديفر) كان من المعتاد حماية باب الكنيسة الأمامي بعناية، في حين كان بابها الخلفي يفتح على مصراعيه. أي أن الكنائس كانت مُدققة فيمن يسمحون لهم بالدخول، وكانوا يتلمذون بجد ومثابرة من تتعارض حياتهم مع إعلان إيمانهم. لكننا حاليًا نترك الباب الأمامي يتأرجح مفتوحًا على مصراعيه، بينما نوصد الخلفي بشدة لأننا نخشى بشدة مغادرة أحدهم.

إذا كانت هذه عقليتنا، فللأسف علينا أن نتوقع رؤية كنائس لا يتلمذ أعضاؤها بعضهم البعض.

في المرة القادمة سأقدم السبب الرابع الذي يوضح لماذا لا نتلمِذ.


هذه المقالة مُترجمة بالشراكة مع خدمة الحق يحرركم. قم بزيارة موقعهم الإلكتروني للمزيد من المصادر المُتمركزة حول الإنجيل.

المزيد المتعلق بـ : مقالات