الوعظ واللاهوت

العِظة المتمركزة حول الإنجيل، هي التي تشعُّ بنور الإنجيل

مقالة
05.23.2022

في  الفيلم الكلاسيكي “الأميرة العروس” هناك العديد من الأقوال التي لا تُنسى بين السطور، واحدة من هذه الأقوال، تلك التي قالها المحبوب “إنيغو مونتويا” لعدوه “فيزيني” بسبب تعجبُّه المتكرر، وتكراره لعبارة “هذا شيءٌ مُذهل، لا يمكن تصوره!” وكان ردّ “مونتويا” عليه: “لماذا تستمر باستعمال تلك العبارة؟ لا أعتقد أنك تعني ما تقصده هذه العبارة”.

عندما أسمع الوصف المتكرر للوعظ، في كثير من الأحيان بأن “محوره هو التركيز على الإنجيل”، أسمع صوت “إنيغو مونتويا” يقول نفس العبارة: “نحن نستمر في استخدام هذا الوصف، وأعتقد أننا لا نعني ما يقصده”. لذا، دعونا الآن نُفكّرُ معًا لماذا.

بعض الأمور التي يجب أن نرفضها بخصوص “الوعظ الذي يرتكز على الإنجيل”

بعض النقاط القليلة ربما تساعدنا في تحديد مدى فهمنا للأمر:

  • يجب رفض فكرة أن الوعظ يرتكز على الإنجيل، فقط لأن العِظة مبنيَّة على نص مأخوذ من الكتاب المقدس، يوجد طريقة في الوعظ يُستخدم فيها نص الكتاب آية بآية، وحتى أجزاء كاملة عن يسوع، وكان الكهنة واللاَّويين أساتذة في ذلك، ومع ذلك، وبَّخهم يسوع بسبب عدم فهمهم لما تشهد به هذه النصوص عن المسيح “فَتِّشُوا الْكُتُبَ لأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً. وَهِيَ الَّتِي تَشْهَدُ لِي. وَلاَ تُرِيدُونَ أَنْ تَأْتُوا إِلَيَّ لِتَكُونَ لَكُمْ حَيَاةٌ” (يوحنا 5: 39-40).
  • يجب رفض فكرة أن الوعظ يرتكز على الإنجيل، فقط لأن العِظة تُعزي السامعين بالحديث عن النعمة، نعمة الإنجيل لا تعزينا فقط بل تُلزمنا أيضًا، هي تبررنا وتقدسنا، وتؤسسنا في محبة الله لتنمينا في طاعته، (غفر لك؛ الآن اذهب ولا تخطيء فيما بعد).
  • يجب رفض فكرة أن الوعظ يرتكز على الإنجيل، فقط لأن العِظة تتضمن إشارة لموت المسيح وقيامته لأجل الخطاه، بكل تأكيد موت المسيح وقيامته لأجل الخطاه، هو أساس رسالة الإنجيل “وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِالإِنْجِيلِ الَّذِي بَشَّرْتُكُمْ بِهِ، وَقَبِلْتُمُوهُ، وَتَقُومُونَ فِيهِ، وَبِهِ أَيْضًا تَخْلُصُونَ، إِنْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَ أَيُّ كَلاَمٍ بَشَّرْتُكُمْ بِهِ. إِلاَّ إِذَا كُنْتُمْ قَدْ آمَنْتُمْ عَبَثًا! فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضًا: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ” (1 كورنثوس 15: 1-4).

 لكن الأمر لا يعني مجرد إضافة مُلخص مناسب لرسالة العِظة، كما لو كان الأمر هو إضافة عنصرًا في قائمة النقاط المطلوبة أو حاشية سفلية إلزامية،  بالتأكيد ليس هذا هو المقصود من الوعظ المتمركز حول الإنجيل.

تصوُّر حول مركزية رسالة الإنجيل

كلمة “متمركز” هي أحد مُسبِّبات ارتباكنا، فماذا تعني كلمة “متمركز” بالضبط، فيما يتعلق بالوعظ عن الأخبار السارة في يسوع؟ دعني أقترح عليكَ تصورًا: كلنا نرغب في أن يكون الإنجيل هو مركز عِظاتنا، كما هو حال الشمس التي تعتبر مركز نظامنا الشمسي، ففي نظامنا الشمسي، يدور كل شيء حول الشمس يصبح مضيئًا ودافئًا بفعلها، حيث تخلق الكتلة الهائلة للشمس قوة جاذبية تجعل النظام بأكمله متماسكًا، ويصل ضوء الشمس وحرارتها المشِّعان إلى كل جسم في مدارها.

هكذا يجب أن يكون الأمر في عظاتنا، حيث يكون المسيح المخلص هو الشمس، والكتاب المقدس هو النظام الشمسي، كل جزء من نص، كل عقيدة، كل موضوع،  كلها يجب أن تدور حول عمل يسوع الخلاصي. إن حياة يسوع وموته وقيامته تضيء وتدفيء كل إعلان الله عن نفسه، وكذلك الناس في الكنيسة وحتى الواعظ نفسه، الدرجة التي تعكس بها العِظة هذه الحقائق هي الدرجة التي تتمركز فيها العِظة على الإنجيل.

في العِظة التي تتمركز حول الإنجيل، يشبه الإنجيل الشمس، التي يجذب كل جانب من جوانب العِظة إلى مداره، ليُشِّع عليه بالضوء والحرارة، العظة التي تتمركز حول الإنجيل هي عظة تُشِّع بنور الإنجيل.

أسئلة للفحص

إن مقارنة الوعظ بنظامنا الشمسي المتمركز حول الشمس مفيد بشكل تخيُّلي، لكننا بحاجة إلى أن نكون عمليين أكثر. فهل هناك طريقة لتقييم أدائنا حول مدى تركيز عظاتنا على الإنجيل؟ فيما يلي ثلاثة أسئلة لنفحص بها ذلك ويمكن أن تساعدنا في التقييم، هذه الأسئلة، في الأساس، تأكيدات -على عكس النقاط المرفوضة- التي ذكرتها سابقًا:

  • هل يسطع نور الإنجيل كالشمس في نص العِظة؟

هل تم شرح الهدف الأساسي للعِظة على ضوء الإنجيل؟ سواء كان الأمر يتعلق بالخلق، أو العِرق، أو العهد، أو الهيكل، أو الذبائح، أو القداسة، أو الدينونة، أو البركة، أو اللعنة، أو الطهارة أو الصلاة، أو الزواج، أو العزوبية، أو الاتحاد، أو العدالة، أو الخدمة، أو الآب، أو الروح، أو أيًا كان. الهدف الرئيسي من النص هو: أن ما نعِظ به حقق إدراك واضح لكيفية تحقيق موت وقيامة المسيح لكل هذه الأمور أو إعادة تشكيلها. باختصار، تمت رؤية الهدف الأساسي للعِظة في علاقة واضحة بعمل يسوع الخلاصي. لن تجد أي عِظة تتمركز حول الإنجيل تلاقي استحسانًا خارج الكنيسة.

  • هل أشرق الإنجيل كالشمس على حياة السامع؟

هنا لم يشرق نور الإنجيل من خلال تفسير النص فحسب، بل أنار حياة المستمع أيضًا، تألَّقت مركزية الإنجيل في التفسير والتطبيق معًا، حيث تمت دعوة الناس ليعيشوا بحسب الإنجيل في ضوء نعمة الله في المسيح، وتم حثّْ غير المؤمنين على التوبة والإيمان ليخلصوا. في ضوء نعمة الله في المسيح، تم تشجيع المؤمنين ليخلعوا الإنسان العتيق، ويجددوا أذهانهم، ويلبسوا الإنسان الجديد. حقًا يضيء نور النعمة المغيِّر للحياة في العظة التي تتمركز حول الإنجيل، وينشأ إلتزامنا بالإنجيل من ضوء الإنجيل في حياتنا.

  • أن يشرق نور الإنجيل في قلب الواعِظ

أن يُذكر الإنجيل في العِظة كنوع من التكريم، أفضل بكثير من عدم ذكر الإنجيل على الإطلاق. ومع ذلك، فإن العِظة التي تتمركز حول الإنجيل حقًا، تستحوذ على الواعظ نفسه بتطبيقاتها الإنجيلية للنص، فتجعله يرى نور الإنجيل بنفسه ويشعر بدفئه، لذا، عندما يقف أمام المصلِّين، هو نفسه يكون مبتهجًا بالمسيح، وبالتالي يحرص على أن يشاركه السامعين في هذا الفرح. عندها يعلن الأخبار السارة بالإنجيل ليس كخبر عابر لا قيمة له، بل كخبر رئيس يغيِّر الحياة.

ما الذي لا يمكن تصوره؟

هذا هو الوعظ المتمركز حول الإنجيل في أفضل حالاته: الكرازة التي يشرق فيها الإنجيل كالشمس من خلال النص على السامعين، وفي الواعظ. الشيء الوحيد الذي لا يمكن تصوره هو أن يتم تعريف مركزية الإنجيل بمصطلحات أو تعريفات أقل من ذلك. لذا فكِّر في الأمور المرفوضة المذكورة بخصوص الوعظ أعلاه، واستخدم أسئلة الفحص أيضًا، وتعلَّم الكرازة بالإنجيل مثل شروق الشمس “مِنْ أَقْصَى السَّمَاوَاتِ خُرُوجُهَا، وَمَدَارُهَا إِلَى أَقَاصِيهَا، وَلاَ شَيْءَ يَخْتَفِي مِنْ حَرِّهَا” (مزمور 19: 6)، العِظة المتمركزة حول الإنجيل، هي التي تشعُّ بنور الإنجيل.


هذه المقالة مُترجمة بالشراكة مع خدمة ذهن جديد. قم بزيارة موقعهم الإلكتروني للمزيد من المصادر المُتمركزة حول الإنجيل.

المزيد المتعلق بـ : مقالات