الوعظ واللاهوت

التحوُّل في العهد الجديد

مقالة
05.25.2022

يمكن تعريف التحوُّل على أنه التحوُّل عن الخطية والرجوع إلى الرب. وقد تكون الآية الأشهر التي تجسِّد هذا التعريف هي 1 تسالونيكي 1 : 9 “لأَنَّهُمْ هُمْ يُخْبِرُونَ عَنَّا أَيُّ دُخُولٍ كَانَ لَنَا إِلَيْكُمْ، وَكَيْفَ رَجَعْتُمْ إِلَى اللهِ مِنَ الأَوْثَانِ لِتَعْبُدُوا اللهَ الْحَيَّ الْحَقِيقِيَّ.” هنا نرى جليًا عُنصري التحوُّل، الرجوع إلى الله وترْك عبادة الأوثان.

التحوُّل في العهد الجديد: من الوعد إلى الحقيقة!

إن قصة انتصار الرب على الحية الذي وُعِد بها في العهد القديم (تكوين 3 : 15) تصبح حقيقة في العهد الجديد. فالعهد القديم Old Testament يَعِد بعهد جديد New Covenant، خليقة جديدة، خروج جديد وقلوب جديدة لشعب الله. وهناك تتميم مبدأي لكل هذه الوعود من خلال حياة يسوع المسيح وموته وقيامته، التي أُعلِنت في العهد الجديد.

التحوُّل في البشائر الإزائية

في البشائر الإزائية (متى، مرقس ولوقا) يتلخّص عمل الرب الخلاصي الموعود به في العهد القديم في عبارة “ملكوت الله”. فملكوت الله يلعب دورًا محوريًا في البشائر الإزائية لكن يجب علينا أيضًا استيعاب أنّ الملكوت يستلزم وجود التحوُّل. ويمكن أيضَا وصف عنصري التحوُّل في إطار التوبة والإيمان. كما نقرأ في مرقس 1 : 14 – 15: “وَبَعْدَ مَا أُسْلِمَ يُوحَنَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى الْجَلِيلِ يَكْرِزُ بِبِشَارَةِ مَلَكُوتِ اللَّهِ وَيَقُولُ: «قَدْ كَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ اللَّهِ فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِيلِ».” (قارن مع متى 4 : 17). الأخبار السارة بالعودة من السبي التي أذاعها إشعياء، الأخبار السارة بتتميم وعود الرب بالخلاص سيتمتع بها فقط أولئك الذين يتوبون عن خطاياهم ويؤمنون بالإنجيل.

يرتكز الإنجيل في البشائر الإزائية على موت يسوع وقيامته؛ لأن آلام يسوع وقيامته يتصدّران القصة في هذه البشائر الثلاث. هذه هي ذروة القصة! لا وجود للملكوت بدون الصليب. أتى يسوع “ليخلِّص شعبه من خطاياهم” (متى 1 : 21) وهذا الخلاص يتحقق فقط من خلال موته بدلًا عنهم حيث بذل “نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ” (متى 20 : 28، قارن مع مرقس 10 : 45) البعض ممَّن يتحدثون عن الملكوت بالكاد يذكرون التحوُّل، لكن نظرة هكذا سريعة على البشائر الإزائية تشير أن التحوُّل أساسي. إذ بدونه لن يدخل أحدٌ الملكوت (قارن مع مرقس 10 : 17 – 31)

التحوُّل في إنجيل يوحنا

تظهر مركزية التحوُّل أيضًا في إنجيل يوحنا. يقينًا كتب يوحنا إنجيله حتى يؤمن الناس “أن يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ” (يوحنا 20 : 31). يستخدم يوحنا الفعل “يؤمن” 98 مرة في إنجيله، مما يؤكد أهمية هذا الموضوع في إنجيله. وليس الإيمان في بشارته سلبيًا. فيوحنا يستخدم عددًا من المصطلحات ليعكس عمق الإيمان ونشاطه، فالإيمان مثله مثل الأكل، والشرب، والرؤية، والسمع، والثبات، والإتيان، والدخول، والقبول، والطاعة. طبيعة التحوُّل الجذرية تظهر من خلال الأفعال المختلفة التي يستخدمها يوحنا ليصف معنى الإيمان القائل بأن يسوع هو المسيح. التحوُّل إذًا هو بيت القصيد في رسالة إنجيل يوحنا. الحياة الأبدية (الحياة في الدهر الآتي) سيحياها فقط أولئك الذين يؤمنون بيسوع بكونه “حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ” (يوحنا 1 : 29). بكلمات أخرى، فقط أولئك الذين جُدِّدت قلوبهم وتغيّروا ستكون لهم الحياة الأبدية.

التحوُّل والملكوت في سفر أعمال الرسل

يبدو واضحًا مما سبق أن التحوُّل يلعب دورًا محوريًا في الأناجيل ويمكننا استخلاص نفس النتيجة من سفر الأعمال. في سفر الأعمال نجد عددًا من العظات مُفصَّلًا فيها الأخبار السارة للسامعين (مثال: أعمال 2 : 14 – 41، 3 : 11 – 26، 13 : 16 – 41). عادةً ما يُدعى السامعون للتوبة (أعمال 2 : 38، 3 : 19، 8 : 22، 17 : 30، 26 : 20)، التي يمكن أيضًا تعريفها بـ”الرجوع إلى الله” (أعمال 3 : 19، 9 : 35 و 40، 11 : 21، 14 : 15، 15 : 19، 26 : 18 و 20، 28 : 27). تتضمن رسالة الإنجيل دعوة عاجلة للابتعاد عن الخطية وأن يترك الإنسان حياته القديمة. في الوقت نفسه، تتم دعوة أولئك الذين يسمعون الأخبار السارة إلى الإيمان وممارسته عمليًا (أعمال 16 : 31، 26 : 18). يقينًا كلمة “يؤمن” مستخدمة حوالي 30 مرة في سفر الأعمال لوصف المؤمنين مشيرة إلى أن الإيمان يميز أولئك الذين ينتمون إلى المسيح.

ولا تفاجئنا رؤية التحوُّل يلعب دورًا بارزًا في سفر الأعمال حيث أنه يسجِّل انتشار الإنجيل من أورشليم إلى روما (أعمال 1 : 8 قارن مع 1 : 6، 14 : 22). لكن ينبغي أيضًا ملاحظة أن ملكوت الله موضوعٌ بارز في سفر الأعمال. فهو يمثِّل الإطار الذي يدور حوله السفر من بدايته (أعمال 1 : 3) إلى نهايته (أعمال 28 : 31). لقد وعَظ بولس عن الملكوت في روما (أعمال 20 : 35، 28 : 23 و 31) ووعَظ فيلبس “وَهُوَ يُبَشِّرُ بِالْأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ وَبِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ” (أعمال 8 : 12) مُظهِرين أن ملكوت الله يرتكز حول الإنجيل (الأخبار السارة). البشارة التي أُعلِنت كانت تدعو السامعين، كما رأينا أعلاه، للتوبة والإيمان. من ثمَّ، لدينا دليل آخر أن التحوُّل أساسيٌّ لأي إعلان للملكوت. إنّ استعادة العالم لحُكم الله هو الرجاء المجيد للمؤمنين، لكن فقط أولئك الذين قد تابوا وآمنوا سيتمتعون بالعالم الجديد الآتي. وأمّا الذين رفضوا أن يؤمنوا، كما يؤكد سفر الأعمال مرارًا، فسيُدانون.

التحوُّل في رسائل بولس

لا يستخدم بولس مصطلح “ملكوت الله” كثيرًا، لكن منظوره الأُخروي معروف جيدًا ومتوافق مع الطابع الأُخروي للملكوت. مثله في ذلك مثل الأناجيل، يعلن بولس أُخرويّات مفادها: “الآن لكن ليس بعد”**. يتفق معظم علماء التفسير أن الإيمان والتوبة موضوعان محوريان في رسائل بولس. فكثيرًا ما يُعلِّم بولس أن التبرير والخلاص لا يُحصَل عليهما إلّا بالإيمان (قارن رومية 3 : 21 إلى 4 : 25، 9 : 30 إلى 10 : 17، 1 كورنثوس 15 : 1 – 4، غلاطية 2 : 16 إلى 4 : 7، أفسس 2 : 8 – 9، فيلبي 3 : 2 – 11). لكنه لا يستخدم كلمة التوبة بنفس التكرار لكنها ليست غائبة كليةً أيضًا (على سبيل المثال: رومية 2 : 4، 2 كورنثوس 3 : 16، 1 تسالونيكي 1 : 9، 2 تيموثاوس 2 : 25). يستخدم بولس مصطلحات كثيرة لوصف عمل الله الخلاصي في المسيح ومنها الخلاص، التبرير، الفداء، المصالحة، التبنّي، الاسترضاء، … إلخ. لا جدال أن عمل الله الخلاصي في المسيح يلعب دورًا رئيسيًا في لاهوت بولس، لكن هذا الخلاص يُمنح فقط لأولئك الذين يؤمنون، أولئك الذين جُدِّدت قلوبهم وتغيّروا.

وبحسب بولس، فإن المؤمنين ينتظرون بفارغ الصبر عودة يسوع المسيح وعتق الخليقة (رومية 8 : 18 – 25، 1 تسالونيكي 4 : 13 إلى 5 : 11، 2 تسالونيكي 1 : 10) ومع ذلك فقط أولئك الذين جُدِّدت قلوبهم وتغيّروا سيكونون جزءًا من الخليقة الجديدة الآتية. إذًا يعمل بولس جاهدًا على نشر الإنجيل بين الأمم (كولوسي 1 : 24 إلى 2 : 5) ساعيًا لتوصيل الإنجيل لأولئك الذين لم يسمعوا قبلًا (رومية 15 : 22 – 29) حتى يدخلوا ضمن دائرة المُخلَّصين.

التحوُّل في الرسائل العامة

رسائل العهد الجديد المتبقية هي كتابات متباعدة الأوقات مُخصَّصة لتناول مواقف محددة. لكن على الرغم من ذلك نراها تُولي أهمية للتحوُّل لفظًا أو تضمينًا. مثلًا، نجد في الرسالة إلى العبرانيين أن فقط مَن يؤمنون ويطيعون يدخلون إلى راحة نهاية الأيام (عبرانيين 3 :18 , 19، 4 : 3، 11 : 1 – 40). كثيرًا ما أُسِيء فهم يعقوب لكن إذا فُسِّر تفسيرًا صحيحًا نجد رسالته تعلِّم أن الإيمان التائب ضروريٌّ للتبرير. بنفس الطريقة أيضًا يعلِّم بطرس أن الخلاص هو بالإيمان (1 بطرس 1 : 5، 2 بطرس 1 : 1) ورسالة يوحنا الأولى مكتوبة لإرساء الضمان لأولئك الذين يؤمنون أن لهم الحياة الأبدية (1 يوحنا 5 : 13).

التحوُّل في سفر الرؤيا

يتوّج سفر الرؤيا القصة مؤكدًا للمؤمنين أن ملكوت الله الذي أتى بالفعل في يسوع المسيح سيُتمَّم ويكتمل. فاعلو الشر الذين يتساومون مع الوحش سيُحكم عليهم إلى الأبد، لكن أولئك الذين يثابرون حتى النهاية سيدخلون إلى المدينة السماوية التي هي أورشليم الجديدة. ويؤكد سفر الرؤيا أن فقط مَن يتوبون (رؤيا 2 : 5 و 16 و 21 و 22، 3 :3 و 19، 9 : 20 و 21: 16 : 9 و11) سيجدون الحياة.

ليس الموضوع الأساسي لكنه محوري لكل القصة!

ختامًا، فإنّ التحوُّل بالتأكيد ليس هو الموضوع المركزي للكتاب المقدس. لقد خُلِق المؤمنون ليمجِّدوا الله ويتمتعوا به للأبد ونحن نتمتع به ونمجِّده في هذا الدهر وفي الدهر الآتي كليهما.

لكن التحوُّل أساسي ومحوري للقصة، لأن فقط أولئك الذين جُدِّدت قلوبهم وتغيّروا سيتمتعون بالخليقة الجديدة. يجب أن يتحوّل البشر عن الخطية إلى الرب كي يخلصوا. ويجب عليهم أن يتوبوا عن خطاياهم ويؤمنوا بإنجيل يسوع المسيح الذي صُلِب وقام. ستكون هناك مواساة بسيطة في اليوم الأخير إذا ساهم المرء مساهمة طفيفة كانت أو جزيلة لتحسين هذا العالم (ليس تقليلًا من الأمر) إذا لم يكن قد تغيّر قلبه.

** “الآن لكن ليس بعد” هو مُصطلح متداول بين دارسي وعلماء اللاهوت، يُعبّر عن فكرة أن الدهر الآتي بدأ بالفعل مع مجيء المسيح الأول، وبالتالي، نحيا نحن الآن مع المسيح متمتعين ببركات الدهر الآتي ولكن ليس بعد بالصورة الكاملة النهائية التي نتوقعها مع مجيئه في المجد.


هذه المقالة مُترجمة بالشراكة مع خدمة الصورة. قم بزيارة موقعهم الإلكتروني للمزيد من المصادر المُتمركزة حول الإنجيل.

المزيد المتعلق بـ : مقالات